السؤال
أعيش في بلد إسلامي ولكن ليس عربيًّا، وكان معي مبلغ 6700 دولار، وحال عليه الحول، وبلغ النصاب، ولكني لم أدفع زكاة هذا المال بعد، وقد انتهى الحول قبل شهر، ولا زلت أريد دفعها, لأني كنت مشغولًا، وأنسى كلما أتذكر لدفعها، بالإضافة إلى أني أعاني هنا في هذا البلد لأجد المكان المناسب لدفع الزكاة.
السؤال هو: هل عليّ إثم في تأخيري للزكاة في حالتي هذه؟ وهل ينفع أن أغير العملة إلى عملة هذا البلد لدفع الزكاة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب إخراج الزكاة على الفور، ولا يجوز تأخيرها؛ كما بيّنّا بالفتويين: 297421، 133278.
والواجب التوبة من تأخيرها، ونرجو أن تكون معذورًا بالنسيان؛ فالناسي مرفوع عنه القلم، لكن عليك أن تأخذ بالأسباب؛ كطلب التذكير من بعض أهلك، حتى لا تؤخر الزكاة؛ روى البيهقي في الشعب، والبخاري في التاريخ، عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما خالطت الصدقة مالًا إلا أهلكته". وصححه الشيخ/ أحمد شاكر في عمدة التفسير، وحسنه الشيخ/ حسين أسد في تحقيقه مجمع الزوائد. ورواه الحميدي، وزاد: قال: قد يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال، والله أعلم بالحال.
وأشار الهيثمي في إتحاف الخيرة إلى أن تفسير الحديث هو من قول عائشة -رضي الله عنها-، ثم قال: قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِي: هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّدَقَةَ مَا تُرِكَتْ فِي مَالٍ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ إِلَّا أَهْلَكَتْهُ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا، فَيَضَعُهَا مَعَ مَالِهِ فَتُهْلِكُهُ. وَبِهَذا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.
وروى أحمد والبخاري عن عقبة بن الحارث قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر، فلما سلم قام سريعًا، فدخل على بعض نسائه، ثم خرج، ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، قال: "ذكرت وأنا في الصلاة تبرًا عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته".
فمع كونه صلى الله عليه وسلم معذورًا بالنسيان، لكن كان مهمومًا بهذا المال، ولذا قال ابن رجب في الفتح: وهذا الذي وقع للنبي من جنس ما كان يقع لعمر (يعني: من انشغاله بتجهيز الجيوش في الصلاة)؛ فإن مال الصدقة تشرع المبادرة بقسمته بين أهله ومستحقيه، فكان من شدة اهتمام النَّبيّ بذلك يتذكره في صلاته، فيقوم عقب ذَلِكَ مسرعا حتَّى يقسمه بين أهله. وهذا كله من اجتماع العبادات وتداخلها، وليس هو من باب حديث النفس المذموم. انتهى.
والأصل أن الزكاة تخرج من جنس المال المزَكَّى، ولكن لا بأس بإخراجها بعملة أخرى؛ وراجع الفتوى رقم: 112828.
ويتأكد جواز إخراجها بعملة أخرى إذا كان أنفع للفقير؛ على ما نفتي به من جواز إخراج القيمة للحاجة ككونها أنفع للفقير، وانظر لذلك الفتوى رقم: 94039، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.