الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

البقاء مع الزوج الذي لا يصلي ويسب الذات الإلهية

السؤال

مشايخنا الأفاضل: اعذروني على إزعاجي لحضراتكم بسؤالي هذا، لكني أظنكم والله حسيبكم أهل علم، وتقى.أنا امرأة متزوجة منذ ما يقارب من 8 سنوات، ولي ولدان، عندما تقدم زوجي لخطبتي عارض أهلي قليلًا، ولكني أقنعتهم بالموافقة، وبأنه إنسان جيد، ولكن –للأسف- بالعشرة يُعرف الناس؛ فقد اكتشفت أربعة أمور في هذا الزوج:1- بالنسبة لدينه: فقد اكتشفت أنه لا يصلي أبدًا، وإن أردت أن لا أبالغ فسأقول: نادرًا جدًّا، بمعنى: أنه لا يصلي الجمعة، فما بالكم بالصلوات العادية، والتراويح ... إلخ.؟ ولا أنكر أنه بدأ منذ ما يقارب الشهر، أو أقل يصلي بعض الصلوات، رغم أنني دائمًا أحثه على الصلاة بطريقة غير مباشرة عن طريق جعل أولادي يقومون بالصلاة أمامه.أمر آخر: وهو أنه عندما يغضب فإنه يلجأ لسبّ الدين، والذات الإلهية، وآخر مرة قام بهذا العمل قبل أيام، ولا أستطيع الحديث معه خلال عصبيته.2- بالنسبة لأمور معاشه: فقد كان يعمل بداية زواجنا، وحصلت بعض التغيرات في عمله مما أدى إلى إنهاء عمله، ومن ثم؛ فهو لا يصرف علينا أبدًا، فاضطررت للعمل، وأنا من أقوم بجلب المال، وهو دائم الجلوس في البيت (إما على التلفاز، وإما على الإنترنت)، وعندما أستلم راتبي يأخذه مني، وبالكاد أستطيع أن أحتفظ بشيء يسير لي، كأنني أسرق من مالي، وأنا من يقوم بالذهاب إلى الأسواق، وشراء ما يلزم من مستلزمات البيت، والأولاد، حتى اكتشفت أيضًا أنه قد كذب عليّ بخصوص دراسته، وأنه لا يحمل سوى شهادة الثانوية العامة، وقد قام بتزوير شهادته ليتزوجني.3- بالنسبة لأخلاقه: رماني بالطلاق أكثر من مرة على أتفه الأسباب، وعندما راجع بعض المشايخ، واستفسروا منه، أرشدوه إلى أن يخرج كفارة، وأن لا يعود إلى ذلك، وهو عصبي جدًّا بدرجة جنونية، ولن أقول على أتفه الأسباب، بل بدون أي سبب، فهو يختلق المشاكل اختلاقًا، وإن هاج، وثارت ثائرته، فلا أستطيع أن أنبس ببنت شفه، أو أنظر إليه، بل كل ما أستطيع القيام به هو السكوت، وعدم مغادرة المكان، وهو يشتمني بأقذع الشتائم، وأسوئها؛ بدءًا من سب الذات الإلهية، ومن ثم شتمي، وإهانتي، وشتم والدي، وعائلتي بجميع أنواع الشتائم التي تتخيلونها، أو لا تتخيلونها، ووالله لو ذكرت لكم جزءًا مما يقول لصدمتم، بل لصعقتم، ويستمر على هذا الحال لمدة ساعتين، أو أكثر، وهذا الكلام يكون في غرفتنا، لكن أهله، وإخوانه -والده غير موجود- يستمعون له بسبب الصراخ الشديد، فأنا أسكن وأولادي نسكن في غرفة من بيتهم، والحمام -أجلّكم الله- مشترك.أما أمّه: فسليطة اللسان، وبذيئة، وكذلك إخوته، حتى إن أولادي بسبب سوء أخلاقهم أصبحوا يتلفظون بألفاظ نابية جدًّا.قام بضربي أكثر من مرة، وبالنسبة للأولاد فهو يضربهم بشكل دائم، وعلى أتفه الأسباب، ولا أستطيع أن أفعل لهم شيئًا، وهو عاقّ لأمّه؛ فيقوم بشتمها، وكاد أن يضربها أكثر من مرة، وهو يدخن، وأشك في كثير من الأحيان أنه يتعاطى المخدرات، أو المهدئات.الملخص: عائلة منحطة الأخلاق، يكرهون بعضهم البعض.4- بالنسبة للحقوق، والواجبات: لا يقوم بأي واجب من واجبات البيت عليه؛ فأنا الأنثى، وأنا الرجل، ولم أشعر بلذة المعاشرة معه إلا في بداية الزواج، والآن انتهت بالمرة، حيث يتركني بالأربعة شهور -تزيد أو تقل- ويبدو أنه أصبح يعاني من ضعف، ولا أخفيكم سرًّا أنني أكرهه كرهًا، وأبغضه بغضًا لا يعلمه إلا الله، وأكون سعيدة جدًّا عندما لا يأتيني، مع أنني أكون جاهزة كل يوم لأجله، لا لأجلي، حتى لا أغضب ربي.على الصعيد الآخر، وحتى أضع الصورة كاملة أمامكم: تعرفت إلى رجل في العمل في غاية الدِّين، والاحترام، والأدب، والأخلاق، بشهادة جميع من يعرفونه، ولا أخفيكم سرًّا، واعذروني على كلامي، فقد تعلق قلبي به، وهو كذلك، مع العلم أنني لم أذكر ما ذكرت عن زوجي لأجد مبررًا لمفارقته، بل هذه حقيقته فعلًا، والله يعلم أني صادقة فيما ذكرت، فهل يجوز لي أن أخلع زوجي، أو أطلب الطلاق منه, وأن أتزوج الآخر؟ وهل يجوز أن أدعو على زوجي السيء الدِّين، والخلق، والعشرة بالهلاك؟ أريحوا قلبي، وأفيدوني -أثابكم الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت عن زوجك هذا كثيرًا من الأمور المنكرة في دينه، وخلقه، ومن أعظمها، وأبشعها ما ذكرت من سبه الذات الإلهية، فصدور مثل هذا من عاقل مختار كفر بالله تعالى، وخروج عن ملة الإسلام، وهذا يقتضي انفساخ النكاح، ووجوب مفارقته، فارفعي أمره للقضاء الشرعي ليدعَى إلى التوبة، فإن تاب فالحمد لله، وإلا فرق بينك وبينه، وراجعي الفتوى رقم: 117954، والفتوى رقم: 25611.

وننبه هنا إلى أن العصبية لا ترتفع بمجردها أهلية التكليف، إلا إذا فقد صاحبها وعيه، وانظري الفتوى رقم: 35727.

وعلى فرض توبته من هذا الكفر؛ ففيما ذكرت من أمور عنه من نحو فسقه بترك الصلاة، وشتمه لك ما يسوغ لك فراقه، بل فراقه مستحب، ولا خير لك في معاشرة مثله، قال البهوتي الحنبلي: وإذا ترك الزوج حقًّا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحب لها أن تختلع منه لتركه حقوق الله تعالى. اهـ.

وإذا تم الطلاق، أو الخلع، وانقضت العدة، جاز لك الزواج من الرجل المذكور، أو غيره، ولكن -إن تاب من الكفر- لا ننصحك بالتعجل حتى تستشيري من يعرفه من ثقات الناس، ثم تستخيري الله -عز وجل- فيه، فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 37112، والفتوى رقم: 123457.

ولك الدعاء عليه فيما وقع منه من ظلم لك، بشرط عدم تجاوز الحدّ، كما هو الحال فيما ذكرت من الدعاء عليه بالهلاك، فإنه اعتداء؛ والله -عز وجل- قال: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {البقرة:194}، والعفو أفضل، كما بيّنّا في الفتوى رقم: 54408، والفتوى رقم: 122940.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني