السؤال
كنت قرأت في إحدى فتاواكم المباركة أن مسافة القصر هي ثلاثة وثمانون كيلو مترًا، فوقع لي إشكال حول هذا التحديد؛ إذ من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في عرفة، وقصر معه أهل مكة وبين عرفة ومكة ثمانية عشر كيلو مترًا، فما الدليل على تحديدكم؟ وما جوابكم على هذا الإشكال -وفقكم الله-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا أدلة ما اخترناه في المسافة المعتبرة في قصر الصلاة في الفتوى رقم: 129618.
وما ذكرته من كون أهل مكة كانوا يقصرون الصلاة في هذا الموضع، فمن أهل العلم من قال: هذا قصر لأجل النسك، لا السفر، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 135737.
ومن أهل العلم من يستدل بذلك على أن مسافة القصر غير مقدرة بالمسافة، وإنما بالعرف، وهذا القول فيه قوة ـ وإن كان الأئمة الأربعة على خلافه ـ جاء في حاشية ابن قاسم: وقال الشيخ: فيصلي الإمام، ويصلي خلفه جميع الحاج، أهل مكة، وغيرهم، قصرًا وجمعًا، كما جاءت بذلك الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب أهل المدينة، وأحد الأقوال في مذهب الشافعي، وغيره، ومن قال: لا يجوز القصر إلا لمن كان منهم على مسافة القصر، فهو مخالف للسنة.
وقال: ويصلي بعرفة، ومزدلفة، ومنى قصرًا، ويقصر أهل مكة، وغير أهل مكة، وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة، ومزدلفة، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما-، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه أحدًا من أهل مكة أن يتموا الصلاة، ولا قالوا لهم بعرفة، ومزدلفة، ومنى: أتموا الصلاة، فإنا قوم سفر. ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ وغلط غلطًا بينًا، ووهم وهمًا قبيحًا وقال قولًا باطلًا، باتفاق أهل الحديث، ولكن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في غزوة الفتح، لما صلى بهم بمكة، وأما في حجه فإنه لم ينزل بمكة، ولكن كان نازلًا خارج مكة، وهناك كان يصلي بأصحابه، ثم لما خرج إلى منى، وعرفة، خرج معه أهل مكة، وغيرهم، ولما رجع من عرفة رجعوا معه، ولما صلى بمنى أيام منى صلوا معه، ولم يقل لهم: أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر. ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم السفر بمسافة، ولا بزمان، وفيه أوضح دليل على أن سفر القصر، لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة. انتهى. وانظر الفتوى رقم: 187015.
والله أعلم.