السؤال
قرأت في مصر عن أحد علمائها الأجلاء أنه يختم القرآن في صلاة الجماعة في المغرب والعشاء والفجر كل خمسة أيام، واختلف الناس هل هو في ذلك موافق للسنة؟ علمًا أن ابن القيم فصّل المسألة في كتاب الصلاة عن حكم التطويل والتخفيف في الصلاة، فما هو الأقرب للسنة؟ علمًا أن هذا العالم يصلي في مسجد خاص به، وبتلاميذه الموافقين له، والمسجد ليس مسجد مارة، ولا يصلي فيه عوام الناس؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من فعل هذا الإمام يشتمل على مسألتين:
الأولى: قراءة القرآن في الصلاة وفق ترتيب المصحف.
والثانية: التطويل في الصلوات المفروضة.
فأما المسألة الأولى: فقد استحب بعض أهل العلم قراءة القرآن على ترتيب السور في الفرائض، قال النووي: والأولى أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ، سَوَاءٌ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا، وَإِذَا قَرَأَ سُورَةً قَرَأَ بَعْدَهَا الَّتِي تَلِيهَا؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ لِحِكْمَةٍ، فَلَا يَتْرُكْهَا، إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالتَّفْرِيقِ، كَصَلَاةِ الصبح يوم الجمعة (بالم) (وهل أتى) وصلاة العيد (بق) (وَاقْتَرَبَتْ) وَنَظَائِرُ ذَلِكَ. انتهى.
ورخص بعض أهل العلم في هذا الفعل، وهو قراءة القرآن كله في الصلوات الجهرية وفق ترتيب المصحف، بشرط ألا يعتقد ذلك سنة، سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: هل يجوز للإمام قراءة القرآن من أوله إلى آخره في الصلوات الجهرية، أي يبدأ بسورة البقرة وينتهي بسورة الناس، مثل شهر رمضان، ولكن لا يختم مثل شهر رمضان، بل يكتفي بقراءة القرآن في الصلوات الجهرية فهل في ذلك شيء؟
فأجاب -رحمه الله تعالى-: هذا ليس فيه شيء إذا كان الفاعل لا يعتقد أن ذلك أمر مشروع؛ لعموم قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)، وكثير من الأئمة يفعل ذلك، يقول: لأني أحب أن يمر القرآن كله على أسماع المأمومين، فإذا كان الإنسان لا يعتقد أن ذلك من السنن، فلا حرج عليه في قراءة ما شاء من كتاب الله عز وجل. انتهى.
فهذا عن حكم قراءة القرآن وفق ترتيب المصحف.
وأما التطويل المذكور: فإن كان المأمومون محصورين، بحيث يؤمن طرو أحد عليهم، وكانوا كلهم راضين بالتطويل، فلا حرج في هذا، قال النووي: قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِنْ صَلَّى بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ، يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ، لَمْ يُكْرَهْ التَّطْوِيلُ، بل قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَغَيْرُهُمَا: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّطْوِيلُ حِينَئِذٍ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الأحاديث الصحيحة فِي تَطْوِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمْ، أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُؤْثِرُ التَّطْوِيلَ وَفِيهِمْ مَنْ لَا يُؤْثِرُهُ، لَمْ يُطَوِّلْ، اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا، وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، مِنْهَا: حَدِيثُ أَنَسٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي؛ كَرَاهَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ، وَلَكِنَّ الْمَسْجِدَ مَطْرُوقٌ بِحَيْثُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ حَضَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْإِمَامِ فِيهَا لَمْ يُطَوِّلْ. انتهى.
وبه يتبين لك حكم ما يفعله هذا الإمام.
والله أعلم.