الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ولّى الشباب وانقضى غالب العمر، وفرّطنا كثيرًا في جنب الله، فأرجو التكرم بإفادتي عن أعمال يسيرة أجورها كبيرة وعظيمة، ولو في نقاط أستدرك بها ما فات -أسأل الله العلي القدير أن يعينني، ويوفقني للقيام بها، عسى أن يلحقني ربي وإياكم بركب الصالحين، وجزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأول ما ننصحك به وأنفسنا هو الإتيان بأفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه تبارك وتعالى، وهو المحافظة على الفرائض واجتناب النواهي؛ لما جاء في حديث القدسي: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه... الحديث رواه البخاري.

فالفرائض هي رأس مال المسلم، وما زاد عليها من النوافل، وتلاوة القرآن، وأعمال الخير ربح يقرب العبد إلى الله تعالى، ويحببه إليه، كما جاء في الحديث، وكما قال ابن عاشر في المرشد المعين:

وَيَحْفَظُ الْمَفْرُوضَ رَأس المَالِ ... والنَّفْلَ رِبْحَهُ به يُوَالِي.

كما ينبغي المحافظة على ذكر الله تعالى على كل حال، وفي كل وقت، وخاصة الأذكار المأثورة، والأذكار التي ورد فيها ثواب عظيم، مثل التسبيح، والتهليل، والتكبير...؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر. متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده. متفق عليه.

وكذلك لا حول ولا قوة إلا بالله، ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة، أو قال على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن الجيد الأخذ بما أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم فقراء المهاجرين عندما طلبوا منه أن يدلهم على باب من الطاعة يتميزون به عن غيرهم من أهل الأموال، ويعوضون به نقص العبادة المالية من أجل فقرهم، وقلة ذات يدهم، كما في الصحيحين، واللفظ لمسلم عن أبي هريرة، وهذا حديث قتيبة: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، فقال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى -يا رسول الله-، قال: تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وروى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن بُسرٍ قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان، فقال: أحدهما: من خير الرجال يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: من طال عمره وحسن عمله، وقال الآخر: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فَبَابٌ نتمسك به جامع؟ قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عز وجل.

والحاصل أن اجتناب النواهي، وامتثال الأوامر، والمحافظة على الفرائض، والرواتب، وأعمال الخير، وكثرة الذكر يدرك بها العبد من سبقه، ويسبق من بعده -نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الفوز بالفردوس الأعلى من الجنة-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني