الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب تحصيل الخشوع في الصلاة

السؤال

أخي كلما صلى بي إماماً يخشع ويبكي في الصلاة، وأنا أكره له أن يبكي في الصلاة، وذلك يجعلني أحزن وأشعر بالاكتئاب وأضجر، وأحياناً أبكي أثناء الصلاة من شدة الحزن والاكتئاب، ولا أحب أن يكون أفضل مني في الصلاة، ويحصل ذلك أكثر في الصلاة الجهرية، فما الحل؟ أريد أن أخشع وأركز وأرتاح في الصلاة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من أكبر أسباب تحصيل الخشوع والتركيز العلم بأنه لب الصلاة وروحها، وأن الخشوع من أكبر موجبات الفلاح للعبد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {المؤمنون:1-2}.

ويتحققُ الخشوع بإقبال العبد على صلاته وإعراضه عن الدنيا والفكر فيها، وأن يحرص على أداء الصلاة بهيئتها الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع الحرص على تدبر الأذكار، والتفكر في معاني الآيات، وعلى المسلمِ أن يحرص على أن يبتعد أثناء صلاته عما يشتت خاطره من صور وزخارف وصخب ولغط، كما أن الدعاء بحصول الخشوع من أعظم أسباب تحصيله، فإن الدعاء سلاحٌ ماض، وأما جمود العين عن البكاء من خشية الله تعالى عند قراءة القرآن: فهو من قسوة القلب، وعلاجها كما ذكر ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان، يكون بأربعة أمور:
الأول: بالقرآن الكريم، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما انطوت عليه من الشرك، ودنس الكفر، وما فيها من أمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم الحق وعمل به، كما أنه رحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل والآجل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57} وقال جل وعلا: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا {الأنعام:122}.

الثاني: ما يحفظ عليه قوته ومادته، ويكون ذلك بالإيمان وبالعمل الصالح، ولزوم أوراد الطاعات.
الثالث: الحمية عن المضار، وتكون باجتناب جميع المعاصي والمخالفات. الرابع: الاستفراغ من كل مادة مؤذية، ويتم ذلك بالتوبة والاستغفار.

وقد ذكر النووي ـ رحمه الله ـ في التبيان فصلا في البكاء عند قراءة القرآن وبين السبيل الموصلة إلى هذه الفضيلة العظيمة فقال: البكاء في حال القراءة هو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ـ وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف، فمن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا ـ وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه صلى بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء فدل على تكرره منه، وفي رواية: أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف، وعن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع، وعن أبي صالح قال: قدم ناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجعلوا يقرؤون ويبكون فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هكذا كنا، وعن هشام قال: ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة والآثار في هذا كثيرة لا يمكن حصرها، وفيما أشرنا إليه ونبهنا عليه كفاية. والله أعلم.

قال الإمام أبو حامد الغزالي: البكاء مستحب مع القراءة وعندها، وطريقه في تحصيله أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء يحضر الخواص فليبك على فقد ذلك، فإنه من أعظم المصائب. انتهى مختصرا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني