الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي مكانة أبي بكر الباقلاني بين العلماء؟

السؤال

ما هي مكانة أبي بكر الباقلاني بين العلماء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمكانة القاضي أبي بكر الباقلاني عالية بين العلماء، فهو أحد أئمة المسلمين، وصاحب التصانيف البديعة، والذاب عن الشريعة الحنيفية، قال عنه الذهبي -رحمه الله- في سير أعلام النبلاء: الإمام العلامة، أوحد المتكلمين، مقدم الأصوليين، القاضي أبو بكر، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه، وذكائه ... وكان ثقة إمامًا بارعًا، صنف في الرد على الرافضة، والمعتزلة، والخوارج، والجهمية، والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه، وقد ذكره القاضي عياض في "طبقات المالكية"، فقال: هو الملقب بسيف السنة، ولسان الأمة، المتكلم على لسان أهل الحديث، وطريق أبي الحسن، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته، وكان له بجامع البصرة حلقة عظيمة...

قال أبو بكر الخطيب: كان ورده في كل ليلة عشرين ترويحة، في الحضر والسفر، فإذا فرغ منها، كتب خمسًا وثلاثين ورقة، من تصنيفه...

وقد سار القاضي رسولًا عن أمير المؤمنين إلى طاغية الروم، وجرت له أمور:

منها أن الملك أدخله عليه من باب خوخة ليدخل راكعًا للملك، ففطن لها القاضي، ودخل بظهره.

ومنها أنه قال لراهبهم: كيف الأهل والأولاد؟ فقال الملك: مه! أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا، ولا تنزهون رب العالمين عن الصاحبة والولد!

وقيل: إن الطاغية سأله: كيف جرى لزوجة نبيكم؟ - يقصد توبيخًا- فقال: كما جرى لمريم بنت عمران، وبرأهما الله، لكن عائشة لم تأت بولد، فأفحمه ...

مات في ذي القعدة، سنة ثلاث وأربع مائة، وصلى عليه ابنه حسن، وكانت جنازته مشهودة، وكان سيفًا على المعتزلة، والرافضة، والمشبهة، وغالب قواعده على السنة، وقد أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديًا يقول بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة. انتهى.

وقد كان -رحمه الله- في مسائل الاعتقاد على طريقة المتكلمين من الأشاعرة، إلا أنه كان من أقربهم إلى السنة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل: أن العراقيين المنتسبين إلى أهل الإثبات، من أتباع ابن كلاب، كأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري، وأبي الحسن علي بن مهدي الطبري، والقاضي أبي بكر ابن الباقلاني، وأمثالهم، أقرب إلى السنة، وأتبع لأحمد بن حنبل وأمثاله، من أهل خراسان، المائلين إلى طريقة ابن كلاب؛ ولهذا كان القاضي أبو بكر بن الطيب، يكتب في أجوبته أحيانًا: محمد بن الطيب الحنبلي، كما كان يقول الأشعري، إذ كان الأشعري وأصحابه منتسبين إلى أحمد بن حنبل وأمثاله من أئمة السنة، وكان الأشعري أقرب إلى مذهب أحمد بن حنبل وأهل السنة، من كثير من المتأخرين المنتسبين إلى أحمد الذين مالوا إلى بعض كلام المعتزلة، كابن عقيل، وصدقة بن الحسين، وابن الجوزي، وأمثالهم. انتهى.

وقال عنه أيضًا في الفتوى الحموية: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني المتكلم -وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري; ليس فيهم مثله لا قبله، ولا بعده. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 147477.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني