السؤال
هل يجوز عدم وصل الأقارب وزيارتهم والتحدث معهم تجنبا للمعاصي التي يصنعونها عند الاجتماع بهم. مثلا عند زيارة أخي يتساهل بموضوع خلوتي مع زوجته، أو مثلاً عند الحديث مع أحد أقاربي دائماً ما يتحدث بالغيبة عن أحد الناس، أو مثلاً عند التواصل مع أحد الأقارب، فإنه يتحدث حديثا يثير الغرائز ونحوه، وآخر من أقاربي -أسأل الله له الهداية- لا يصلي، وآخر يكفر بالله. فما حكم قطع الرحم في الحالات السابقة. علماً أني مجتهد بقناعات لا أعلم صحتها من خطئها، وهي سد ذرائع المعاصي وحبائل الشيطان من جهة، وعدم مشاركتي بأخذ المعصية معهم وخوفي على نفسي من الزنا. كما أخشى أن تكون من خطوات الشيطان.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الجلوس مع الأقارب أو غيرهم حال تلبسهم بمعصية كالغيبة والكلام المحرم، وأحرى إذا كانوا يتلفظون بالكفر، لا تجوز مجالستهم من غير إنكار عليهم، فقد جاء في التنوير شرح الجامع الصغير: " قال الغزالي: فكل من شاهد منكراً ولم ينكره فهو شريك فاعله، فالمستمع شريك المغتاب، ويجري هذا في جميع المعاصي".
لكنّ ذلك لا يعني جواز قطع رحم هؤلاء الأقارب، بل الواجب صلتهم بالمعروف، والصلة لا تنحصر في الزيارة، ولكن تحصل الصلة بكل ما يعد في العرف صلة؛ كالاتصال والمراسلة والسلام، قال القاضي عياض : " وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلا " نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري، وراجع الفتوى رقم : 163571.
وعليه؛ فالواجب عليك صلة أرحامك بالقدر والكيف الذي لا يعود عليك بالضرر في دينك أو دنياك، ومن أعظم أنواع صلتهم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبذل النصح لهم، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- : " حينما أذهب إلى خالاتي لزياراتهن ليس عندهن إلا الكلام عن فلانة وعلانة، وأنا شخصيتي ضعيفة لا أقول لهم هذا حرام، اسكتن وأشعر بأنني آثمة حين أستمع إلى غيبتهن وكلامهن في الآخرين، فانقطعت عن الذهاب إليهن، ماذا أفعل يا فضيلة الشيخ أرشدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تصلي رحمك، وأن تذهبي إليهم على الوجه المعروف، ومن صلتك لهم أن تنصحيهم إذا وقعوا في الغيبة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ولا يحل لك أن تتركي صلتهم، فإن ترك صلتهم في هذه الحال تتضمن محظورين: المحظور الأول: قطيعة الرحم، ولا يخفى ما فيه من العقوبة، فإن الله سبحانه وتعالى تكفل للرحم أن يصل من وصلها ويقطع من قطعها، قال الله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) . المحظور الثاني، أنك لا تسعين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب على المرء أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقدر ما يستطيع..." فتاوى نور على الدرب للعثيمين (24/ 2)
وقال –رحمه الله- في جواب سؤال عن صلة الأرحام الواقعين في المنكرات: " الواجب عليك إذا كنت لا تستطيع تغيير المنكر الذي وقع فيه هؤلاء أن تقاطع مجالستهم؛ لأن مَن جالس فاعل المنكر كان له مثل إثمه، لقول الله تبارك وتعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) ولا يضر أنهم قاطعوك وقطعوا الصلة بينك وبينهم في المستقبل بناء على مقاطعة مجالسهم التي تشتمل على المنكر، وإذا قاطعوك وقطعوا صلتك في هذه الحال فصلهم بما تستطيع، ويكون عليهم إثم القطيعة، ولك أجر الصلة " انتهى.
والله أعلم.