السؤال
ما هو رأي ابن تيميَّة في الرُّجوع عن التَّقليد، بعد العمل بالفتوى؟
نفع الله بكم وبعلمكم، وجزاكم الله خيراً.
ما هو رأي ابن تيميَّة في الرُّجوع عن التَّقليد، بعد العمل بالفتوى؟
نفع الله بكم وبعلمكم، وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإن كنت تعني بقولك: "بعد العمل بالفتوى"؟ انتقال العامي من العمل بمذهب من يقلده إلى مذهب غيره، فقد سبق لنا أن بينا أقوال أهل العلم في هذا، وذلك في الفتوى رقم: 186941، ورجحنا فيها أنه يجوز للمقلد الانتقال من مذهب لآخر - ما لم يقصد التلاعب، ويكون تتبع الرخص ديدنا له - وهذا ما يقول به شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-
فقد سئل رحمه الله تعالى: هَلْ يُقَلِّدُ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا، وَعَكْسُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الوترية وَفِي جَمْعِ الْمَطَرِ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَعَمْ يَجُوزُ لِلْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ مِنْ الْمَطَرِ، لَا سِيَّمَا وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَد. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَجْمَعُ مَعَ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِالْمَدِينَةِ إذَا جَمَعُوا فِي الْمَطَرِ. وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يُقَلِّدَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْهُ، وَيَسْتَحِبُّهُ، إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يَسْتَفْتُونَ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، فَيُقَلِّدُونَ تَارَةً هَذَا، وَتَارَةً هَذَا. فَإِذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ يُقَلِّدُ فِي مَسْأَلَةٍ يَرَاهَا أَصْلَحَ فِي دِينِهِ، أَوْ الْقَوْلُ بِهَا أَرْجَحُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، جَازَ هَذَا بِاتِّفَاقِ جَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ لَا أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا مَالِكٌ وَلَا الشَّافِعِيُّ .. اهـ.
وهذا الجواز في الانتقال لا حرج فيه حتى ولو كان قد عمل بالمذهب السابق الذي يقلده، ثم عدل عنه لغيره ما دام ليس قصده التلاعب.
وإذا كان عمله بالسابق يقتضي بطلان العبادة مثلا حسب المذهب الذي سينتقل إليه، فإن ذلك لا يترتب عليه بطلان الصلاة التي فعلها بناء على المذهب السابق، وعمله بالسابق لا يمنع انتقاله، وعمله بغيره.
ففي رد المحتار على الدر المختار في الفقه الحنفي: وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ لَهُ التَّقْلِيدَ بَعْدَ الْعَمَلِ، كَمَا إذَا صَلَّى ظَانًّا صِحَّتَهَا عَلَى مَذْهَبِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهَا فِي مَذْهَبِهِ، وَصِحَّتُهَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ، فَلَهُ تَقْلِيدُهُ، وَيَجْتَزِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ ... اهــ.
والله تعالى أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني