السؤال
السادة الأجلاء: ورد في أخبار وآثار صحيحة، التلفظ بالفاحش من الألفاظ. ومن بين ذلك:
- أعضوه بهن أبيه.
- امصص بظر اللات.
وقد رد كثير من العلماء على هذا. وبعضهم كان يتسول الدليل، والبعض كان أثبت حجة كابن القيم، وإن لم يشف الصدر، ويزل الشبهة تمامًا.
فكيف نجمع بين ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيمن تعزى بعزاء الجاهلية، وبين نهيه لعائشة -رضي الله عنها- عن الفحش، حينما سبت اليهود، وردت عليهم بمثل ما قالوا: (بل عليكم السامُ، والذَّامُ) فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم " يا عائشةُ! لا تكوني فاحشةً" فكيف ينهاها عن الفحش في تلك، وقد ردت على يهود، ويقول ذلك فيمن تعزى بعزاء الجاهلية وهو مسلم.
وإن كتمنا في صدورنا ما نجد مما سبق، فإن ما لا أستطيع له كتمانًا ولا مدافعة، هو ما روي عن سيدنا علي -رضي الله عنه- عن امرأته أسماء بنت عميس، حين قال: كذبتكم من النساء الحارقة، فما ثبتت من امرأة إلا أسماء بنت عميس، وحين سئل عنها فقال: وجدتها حارقة، طارقة، فائقة. فإن من لديه شيء من النخوة في زماننا هذا، يأبى أن ينعت أجنبي زوجته بالجمال. فكيف بما قال الإمام علي -رضي الله عنه- أمام الغرباء، وروي عنه، وقد تلفظ بصريح اللفظ الجنسي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالإسلام يحمل أتباعه على عفة اللسان، واجتناب فحش القول، وقد تكاثرت الأحاديث النبوية في هذا المعنى، كما سبق أن بيناه في الفتوى رقم: 251140.
وهذا الأصل قد يتعارض في بعض الأحيان مع مصلحة راجحة، فتقدم عليه بقدر الحاجة دون توسع، وقد سبق أن بينا ذلك في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 109779، 71170، 113416.
وأما ما ذكر عن علي -رضي الله عنه-، فرواه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) من طريق سفيان بن عيينة، عن إسماعيل، عن قيس، قال: قال علي بن أبي طالب: كذبتكم من النساء الحارقة. فما ثبتت منهم امرأة، إلا أسماء بنت عميس. اهـ.
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيق السير: كذب هاهنا إغراء، أي: عليكم بالحارقة، وهي كلمة نادرة جاءت على غير القياس، والحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، وقيل: الضيفة الفرج، وقيل: النكاح على الجنب من حارقة الورك: وهي عصبة فيها، والمعنى: عليكم من مباشرة النساء بهذا النوع .. والخبر أخرجه ابن سعد 8 / 285، وإسناده صحيح. اهـ.
وأما الأثر الثاني فلم نجده إلا في كتب اللغة، وغريب الحديث، من غير إسناد، وقد عزاه ابن الأثير في (النهاية) للهروي، وقد نبه في المقدمة أن كتب الغريب إنما يراد منها معرفة اللغة، ومعاني الغريب منها، لا المتون والأسانيد.
فقال: والمقصد من هذا التصنيف معرفةَ الكلمة الغريبة لغةً، وإعراباً، ومعنًى، لا معرفةَ مُتُون الأحاديث والآثار، وَطُرق أسانيدها وأسماء رُوَاتها، فإن ذلك علم مستقل بنفسه، مشهور بين أهله. اهـ.
ولم نجد من أهل العلم من تعرض لبيان وجه كلامه هذا - رضي الله عنه - وعلى أية حال، فهو بشر ليس معصوما، فإن عُرف وجه كلامه فذاك، وإلا فحسبنا ما أرشد إليه القرآن والسنة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.
والله أعلم.