الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا في الفتوى رقم: 342475، أن مجرد التشبه بالكفار في اللبس لا يحصل به الكفر، ولكنه قد يأثم بقصد التشبه بهم في اللباس، كما في الفتويين رقم: 132437، ورقم: 48765.
وأما لبس الملابس المشتركة: فلا يحصل به الكفر، لأن الكفر لا يحصل إلا بلبس ملابسهم الخاصة بهم محبة لهم، بقصد التشبه بهم في الكفر، وإن لم يحصل الميل للكفر فيعتبر ذلك محرما ولا يكفر به، ففي الدردير عند قول خليل: وشد زنار ـ قال بضم الزاي وتشديد النون حزام ذو خيوط ملونة يشد به الذمي وسطه ليتميز به عن المسلم، والمراد به ملبوس الكافر الخاص به أي إذا فعله حبا فيه وميلا لأهله، وأما إن لبسه لعبا، فحرام وليس بكفر. انتهى.
وقال الدردير في الشرح الصغير: وَشَدُّ زُنَّارٍ : أَيْ لُبْسُهُ ميلا لِكُفْرٍ, لا لَعِبًا, فَحَرَامٌ، مَعَ دُخُولِ كَنِيسَةٍ: مُرْتَبِطٌ بِشَدِّ زُنَّارٍ، وَهُوَ بِضَمِّ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمُرَادُ بِهِ مَلْبُوسُ الْكَافِرِ الْخَاصِّ بِهِ لا خُصُوصُ الْمُلَوَّنِ. اهـ.
وفي حاشية البناني على شرح الزرقاني للمختصر: وشد زنار ـ المراد به ملبوس الكفار الخاص بهم، وكلام المصنف إن فعل ذلك محبة في ذلك الزي وميلا لأهله، وأما إن فعله هزلا ولعبا، فهو محرم إلا أنه لا ينتهي إلى الكفر، وأما إن كان ذلك للضرورة كأسير عندهم يضطر إلى استعمال ثيابهم، فلا حرمة عليه فضلا عن الردة، قاله ابن مرزوق. اهـ.
وفي فتاوى الهيتمي رحمه الله تعالى: صرح أصحابنا بأنه لو شد الزنار على وسطه، أو وضع على رأسه قلنسوة المجوس، لم يكفر بمجرد ذلك ـ إلى أن يقول: فالحاصل أنه إن فعل ذلك بقصد التشبيه بهم في شعار الكفر، كفر قطعا، أو في شعار العيد مع قطع النظر عن الكفر، لم يكفر، ولكنه يأثم، وإن لم يقصد التشبيه بهم أصلا، ورأسا فلا شيء عليه. اهـ.
هذا، وننبه إلى أن حب الكفار ينبغي التفصيل فيه، فإن حب الكفار لا يحرم إن كان بسبب قرابة أو منفعة دنيوية، ويحرم منه ما كان بسبب ديني، فقد قال الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {المجادلة:22}.
وقد أنزل الله تعالى في أبي طالب: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ {القصص:56}. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
قال النووي ـ رحمه ـ في شرح مسلم: قوله تعالى: مَنْ أَحْبَبْتَ ـ يكون على وجهين:
أحدهما: معناه من أحببته لقرابته.
والثاني: من أحببت أن يهتدي.
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في تفسير سورة البقرة: وقوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت {القصص: 56} أي لا توفِّق للهدى من أحببته، أو من أحببت هدايته.
وقال في شرح كتاب التوحيد: وهذا عام لأبي طالب وغيره، ويجوز أن يحبه محبة قرابة، ولا ينافي هذا المحبة الشرعية. اهـ.
وقد بسطنا الكلام على ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 128403، 177527، 137620، 267331.
والله أعلم.