الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أراد الاعتمار عن غيره ولم يعتمر عن نفسه فماذا يلزمه؟

السؤال

أنا من الأردن، عمتي توفي ولدها، وتريد مني أن أعتمر عن ابنها، علمًا أني لم أعتمر عن نفسي إطلاقًا، ويلزمني -كما قرأت- أن أعتمر عن نفسي أولًا، فهل أستحضر النية عن نفسي أولًا في أداء العمرة؟ وعند انتهائي من العمرة عن نفسي، هل يجوز الإحرام من التنعيم لعمل عمرة عن ابنها المتوفى، أم أذهب إلى الميقات الذي أحرمت منه؟ وهل يجوز لأهل الأردن الإحرام من ذي الحليفة -أبيار علي- لأننا سنذهب إلى المدينة أولًا؟ أرجو عدم إحالتي على فتاوى أخرى.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا يصح أن تعتمر عن غيرك إلا بعد أن تعتمر عن نفسك، جاء في مطالب أولي النهى: وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ، أَوْ يَعْتَمِرْ عَنْ نَفْسِهِ، أَنْ يَحُجَّ، أَوْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ ... فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ حَجٌّ، أَوْ عُمْرَةٌ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: حَجَجْت عَنْ نَفْسِك؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ». اهــ.

ويجوز لك بعد الانتهاء من عمرتك، والتحلل منها، أن تخرج إلى التنعيم، وتحرم بعمرة أخرى عن قريبك المُتوفى، قال النووي في المجموع: وَلَا يُكْرَهُ عُمْرَتَانِ، وَثَلَاثٌ، وَأَكْثَرُ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا... اهـ.

ولا يلزمك أن تذهب إلى الميقات الذي أحرمت منه أثناء مرورك به، بل يكفيك أن تخرج إلى أدنى الحل -وهو التنعيم- فتحرم منه؛ لما ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها أحرمت منه بعد الحج، فخرجت إلى التنعيم، وأحرمت بعمرة.

قال النووي في شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر: اُخْرُجْ بِأُخْتِك مِنْ الْحَرَم، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ: فِيهِ دَلِيل لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْعُمْرَة، فَمِيقَاته لَهَا أَدْنَى الْحِلّ، وَلا يَجُوز أَنْ يُحْرِم بِهَا مِنْ الْحَرَم. اهـ.

وأما هل يجوز لأهل الأردن أن يحرموا من ذي الحليفة، المسمى بأبيار علي؟

فأهل الأردن ميقاتهم الجُحْفَة -كما هو معلوم- ولكن مَن مر منهم بميقات ذي الحليفة، فإنه يحرم منه، قال ابن قدامة في المغني: وَهَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا، وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً, وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا فِيهَا مِيقَاتٌ، فَهُوَ مِيقَاتُهُ، فَإِذَا حَجَّ الشَّامِيُّ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَهِيَ مِيقَاتُهُ، وَإِنْ حَجَّ مِنْ الْيَمَنِ، فَمِيقَاتُهُ يَلَمْلَمُ، وَإِنْ حَجَّ مِنْ الْعِرَاقِ، فَمِيقَاتُهُ ذَاتُ عِرْقٍ. وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ مَرَّ عَلَى مِيقَاتٍ غَيْرِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، صَارَ مِيقَاتًا لَهُ. اهــ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني