الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علامات التمييز بين الابتلاء عقوبة أو لرفعة الدرجات

السؤال

عملت في بورصة العملات بكل المال الذي أملكه، وخسرته كله. في الحقيقة لم أقم بالتدريب اللازم لخوض هذه التجربة.
هل علي في هذا شيء أمام الله؟ أعلم أن الرزق مكتوب بيده سبحانه. فهل هذا عقاب أم ابتلاء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكون ما أصابك عقوبة، أو ابتلاء لرفعة الدرجات: لا يمكن لأحد الجزم بذلك؛ لأنه من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، ثم إنه ليس هناك كبير أثر يترتب على العلم بذلك أصلا، فالمؤمن عليه أن يصرف همه إلى تحقيق الصبر على المصيبة، وأن يلزم الاستغفار والتوبة على كل حال.

وقد سئل ابن باز: إذا ابتلي أحد بمرض، أو بلاء سيء في النفس أو المال، فكيف يعرف أن ذلك الابتلاء امتحان، أو غضب من عند الله؟

فأجاب: الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء، وبالشدة والرخاء، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم، وإعلاء ذكرهم، ومضاعفة حسناتهم، كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والصلحاء من عباد الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل»، وتارة يفعل ذلك سبحانه بسبب المعاصي والذنوب، فتكون العقوبة معجلة؛ كما قال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}. فالغالب على الإنسان التقصير، وعدم القيام بالواجب، فما أصابه فهو بسبب ذنوبه وتقصيره بأمر الله، فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها، فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل، رفعا في الدرجات وتعظيما للأجور، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب. فالحاصل أنه قد يكون البلاء لرفع الدرجات وإعظام الأجور، كما يفعل الله بالأنبياء وبعض الأخيار، وقد يكون لتكفير السيئات؛ كما في قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب المسلم من هم ولا غم، ولا نصب ولا وصب، ولا حزن ولا أذى، إلا كفر الله به من خطاياه حتى الشوكة يشاكها» وقوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يصب منه» وقد يكون ذلك عقوبة معجلة بسبب المعاصي، وعدم المبادرة للتوبة؛ كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» خرجه الترمذي وحسنه .اهـ. من مجموع فتاواه.

وقد ذكر بعض العلماء علامات للتفريق بين العقوبة والابتلاء لرفعة الدرجات، وذلك بالنظر إلى حال العبد من المصيبة. قال عبدالقادر الجيلاني: علامة الابتلاء على وجه العقوبة والمقابلة: عدم الصبر عند وجود البلاء، والجزع والشكوى إلى الخلق. وعلامة الابتلاء تكفيرا وتمحيصا للخطيئات: وجود الصبر الجميل من غير شكوى، ولا جزع ولا ضجر، ولا ثقل في أداء الأوامر والطاعات. وعلامة الابتلاء لارتفاع الدرجات: وجود الرضا والموافقة، وطمأنينة النفس، والسكون للأقدار حتى تنكشف .اهـ. من طبقات الشعراني. وانظر الفتوى رقم: 257806.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني