السؤال
أنا أؤمن بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لخوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" وأسكت، ولا أزيد عليه شيئًا، ولا أفسره بالشم واستطابة الروائح، ولا أقول بذلك، وأنزه الله عن ذلك، كما قال ابن حجر، والمازري، بل أؤمن بالحديث على ظاهره، ولا أزيد، فهل عقيدتي صحيحة، ولا شيء عليّ؟ وهل لست واقعًا في كفر، ولا تعطيل، ولا شيء علي؟ وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فينبغي التفريق بين نسبة استطابة الروائح إليه سبحانه، وبين نسبة صفة الشم إليه تعالى، فإن الأولى ثابتة في الخبر الذي ذكرته في خلوف الصائم.
وأما الشم فيتوقف فيه؛ لعدم ورود الدليل على ذلك، جاء في الموسوعة العقدية الصادرة عن الدرر السنية ما نصه:
استطابة الرَّوائح صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ بالسنَّةِ الصحيحة.
الدليل: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا: ولخلـوف فم الصــائم أطيب عند الله من ريح المسك.
قال الحافظ ابن القيم: من المعلوم أنَّ أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك، فمثَّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم، ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى، كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أنَّ رضاه، وغضبه، وفرحه، وكراهيته، وحبه، وبغضه، لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أنَّ ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعالهم، وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه والعمل الصالح فيرفعه، وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا، ثم إنَّ تأويله لا يرفع الإشكال؛ إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضا، فإن قال: رضًا ليس كرضا المخلوقين، فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين، وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب.
وقد أثبت بعض العلماء صفة الشم لله عزَّ وجلَّ بهذا الحديث، وهو ليس صريحًا في ذلك، فالحديث فيه إثبات استطابة الروائح لله عزَّ وجلَّ، أما الكيف فمجهول، قال الشيخ عبدالرحمن البراك: ما ثبت لله تعالى من الصفات يثبت له على ما يليق به، ويختص به، كما يقال ذلك في سمعه، وبصره، وعلمه، وسائر صفاته، وصفة الشم ليس في العقل ما يقتضي نفيها، فإذا قام الدليل السمعي على إثباتها، وجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه، وهذا الحديث ـ وهو قوله: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ـ ليس نصًّا في إثبات الشم، بل هو محتمل لذلك، فلا يجوز نفيه من غير حجة، وحينئذ فقد يقال: إن صفة الشم لله تعالى مما يجب التوقف فيه؛ لعدم الدليل البين على النفي أو الإثبات، فليتدبر، والله أعلم بمراده ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
ومما سبق يعلم السائل أنه على حق ـ إن شاء الله تعالى ـ في فهمه، ومعتقده.
والله أعلم.