الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف العامِّي وطالب العلم عند اختلاف المفتين

السؤال

العلماء قرروا عند مسألة التوقف ـ أي عند عدم ترجيح أدلة أحد القولين وتساوي الأدلة والمرجحات الأخرى المعتبرة ـ أنه يؤخذ بقول من يوثق في علمه ودينه، سواء كان عاميا أو طالب علم على مختلف درجاته، كما قرأت هذا في كثير من فتاويكم، والذي لا أستطيع فهمه هو كيف يختار من يثق في علمه ودينه، فقد سألت شيخا غزير العلم سلفيا، فقال لي يختار من يثق في علمه ودينه في المسألة المعينة، وليست على الإطلاق، ومع علمه الغزير وتقواه لم أقتنع بكلامه، فهل ما قاله صحيح، وكمثال: لو أن ابن باز ـ رحمه الله ـ اختلف مع ابن عثيمين في عدة مسائل، وهذه المسائل كانت عندي مسائل توقف، وأنا أثق بابن عثيمين، فإنني لا أختار قول ابن عثيمين في كل هذه المسائل لأنه ليس أعلم على الإطلاق، وإنما أختار الأعلم والأتقى في المسألة المعينة؟ أم أن الشخص يختار عند التوقف وعدم ترجيح الأدلة من يثق في علمه ودينه على الإطلاق، وهناك إشكال أيضا، وكمثال: ابن عثيمين والألباني، وأنا أثق بابن عثيمين، فأختار قوله دائما، ثم أجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد اختار القول الذي رجحه الألباني، وأنا أثق بابن تيمية أكثر من ابن عثيمين، ثم أختار قول شيخ الإسلام... ثم أجد مثلا قولا للإمام أحمد يخالف قول شيخ الإسلام، وأنا أثق بالإمام أحمد... فأرجع إلى اختيار ابن عثيمين...
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا تحتاج المسألة لكل هذا التشقيق والتكلف! فالتوقف ـ كما ذكر زكريا الأنصاري في الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة ـ يكون: عن ترجيح أحد القولين أو الأقوال لتعارض الأدلة. اهـ.

وهذا يكون في حق العالم وطالب العلم، أما العامي الذي لا مدخل له في هذا فيكون ذلك في حقه إذا اختلف عليه المفتون.

وفرضه في هذه الحال أن يرجح بين المفتين أنفسهم، وهذا ما يعبر عنه أهل العلم بتقليد الأوثق في نفسه، قال ابن الصلاح في أدب المفتي والمستفتي: متى ما اطلع على الأوثق منهما، فالأظهر أنه يلزمه تقليده دون الآخر، كما وجب تقديم أرجح الدليلين، وأوثق الراويين، فعلى هذا يلزمه تقليد الأورع من العالمين، والأعلم من الورعين، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع، قلد الأعلم على الأصح. اهـ.

وقال في موضع بعد ذلك: إذا اختلف عليه فتوى مفتيين، فللأصحاب فيه أوجه... والمختار: أن عليه أن يجتهد ويبحث عن الأرجح فيعمل به، فإنه حكم التعارض وقد وقع، وليس كما سبق ذكره من الترجيح المختلف فيه عند الاستفتاء، وعند هذا ليبحث عن الأوثق من المفتيين فيعمل بفتياه، فإن لم يترجح أحدهما عنده استفتى آخر، وعمل بفتوى من وافقه الآخر، فإن تعذر ذلك وكان اختلافهما في الحظر والإباحة، وقبل العمل، اختار جانب الحظر وترك جانب الإباحة، فإنه أحوط... اهـ.

ونقل ذلك النووي في آداب الفتوى، وذكره مثله ابن حمدان في صفة الفتوى.

والخلاصة أنه متى ما ظهر للمكلف سبب يدل على ترجيح أحد القولين، وأنه هو الأقرب لمراد الشرع، عمل به، سواء بين الأدلة، أو بين المستدلين، والأمثلة التي ذكرها السائل ـ على ما فيها من تشقيق ـ لا تخرج عن هذا الأصل، فإن كان أحد من أهل العلم هو الأوثق في نفسك مطلقا، فقلده مطلقا عند التعارض، وإن كان أوثق في باب من أبواب العلم كالحديث أو الفقه أو العقيدة ونحو ذلك، وغيره أوثق منه في باب آخر، فقلد في كل باب الأوثق فيه في اعتقادك، وهكذا، ويبقى بعد ذلك حال الاشتباه، وهي حال تساوي المفتين في العلم والورع، والمخرج عندئذ يكون في الاحتياط والاستبراء للدين والعرض، كما بيناه في الفتوى: 130456.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني