السؤال
لقد اطلعت في فتاواكم ووجدت أن صلاة الجماعة واجبة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول صلاة الجماعة تفضل عن صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة إذن صلاة الجماعة من المندوب فعلها ولكن تاركها لا يأثم. أرجو من فضلكم إجابة واضحة دقيقة لأن هذا الأمر هام جدا وأنا أسكن على بعد حوالي 1.5 كيلومتر من المسجد. جزاكـــــم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت الأدلة الصحيحة على وجوب صلاة الجماعة، ومنها ما في الصحيحين - وهذا لفظ البخاري- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مَرماتين حسنتين لشهد العشاء، وفي رواية للبخاري أيضا: ثم آخذ شعلا من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد، ولأحمد: ثم آمر بأناس لا يصلون معنا فتحرق عليهم بيوتهم، وله أيضًا: ثم أخرج بفتياني معهم حزم الحطب فأحرق على قوم في بيوتهم يسمعون النداء ثم لا يأتون الصلاة، قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط :وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة؛ إذ غير جائز أن يحرق الرسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض، انتهى، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلمَّا ولَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم. قال: فأجب، ومنها: ما رواه أبو داود وابن ماجه، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر، والحديث رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، انتهى، ولم يتعقبه الذهبي، وقال الألباني في الإرواء (551): وهو كما قالا، انتهى، وصحح الحافظ في التلخيص إسناد ابن ماجه والحاكم.
وأما الحديث الذي أشرت إليه فهو من حجة من لم يوجب صلاة الجماعة، ولفظه كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، وله ألفاظ أخر، وأجاب عنه القائلون بالوجوب بأن هذا في حق المعذور. فمن صلى منفردًا لعذر، فله أجر واحد، وأورد عليهم أن المعذور ينال أجر الجماعة كاملا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا، رواه البخاري، والجواب: أن المعذور لا يستحق بفعله الصلاة إلا جزءا واحدا كما في الحديث ، وأما تكميل الأجر فراجع إلى النية لمن كان عادته أن يصلي مع الجماعة، قال ابن القيم: فأجابوا على ذلك بأنه لا يستحق بالفعل إلا جزءًا واحدًا، وأما التكميل فليس من جهة الفعل، بل بالنية إذا كان من عادته أن يصلي جماعة فمرض أو حبس أو سافر، وتعذرت عليه الجماعة، والله يعلم أن من نيته أن لو قدر على الجماعة لما تركها، فهذا يكمل له أجره، مع أن صلاة الجماعة أفضل من صلاته من حيث العملين. قالوا: ويتعين هذا ولا بد، فإن النصوص قد صرحت بأنه لا صلاة لمن سمع النداء ثم صلى وحده، فدل على أن من له جزء من سبعة وعشرين جزءًا هو المعذور الذي له صلاة. قالوا: والله تعالى يفضل القادر على العاجز، وإن لم يؤاخذه فذلك فضله يؤتيه من يشاء،اهـ، ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم: من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد، رواه البخاري، وهذا في حق المعذور، لأن غير المعذور لو صلى قاعدًا أو على جنب فليس له من الأجر شيء إن كانت الصلاة فرضًا، وإن كانت نفلاً لم يجز له التطوع على جنب، ومع وجود العذر فقد تفاوت الأجر بينهم، فدل على أن المعذور لا يلزم أن ينال الأجر كاملاً، في كل حال، قال شيخ الإسلام مبينًا عدم مشروعية التطوع على جنب: ولكن أكثر العلماء أنكروا ذلك - أي التطوع على جنب - وعدوه بدعة وحدثًا في الإسلام. وقالوا: لا يعرف أن أحدًا قط صلى في الإسلام على جنبه وهو صحيح، ولو كان هذا مشروعًا لفعله المسلمون على عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم أو بعده، ولفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة، لتبيين الجواز، فقد كان يتطوع قاعدًا، ويصلي على راحلته قِبَلَ أي وِجْه تَوَجَّهت، وَيُوتِرُ عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، فلو كان هذا سائغًا لفعلهُ ولو مرة، أو لفعله أصحابه، انتهى من مجموع الفتاوى (23/235).
ويمكن أن يجاب عن الحديث بجواب آخر: وهو حمله على من صلى منفردًا، لبعد داره وعدم سماعه النداء، مع إمكان انتقاله إلى دار قريبة من المسجد، وهكذا من كان منشغلا بزراعة ونحوها، في محلٍّ لا يبلغهُ النداء، فهؤلاء معذورون، لكن باستطاعتهم المجيء، فلم يحبسهم العذر فينالوا كامل الأجر، ومن صلى منهم منفردا لم يأثم، ولم ينل إلا أجرًا واحدًا، ومن أتى منهم الجماعة نال سبعًا وعشرين درجة.
والله أعلم.