الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة ابن تيمية في بطلان صلاة المنفرد إذا ترك الجماعة بلا عذر

السؤال

يذكر ابن تيمية في كتاب الإيمان عن صلاة الجماعة وحكمها، ويقول إن الله أثبت فضل الجماعة، مما يدل على صحة صلاة الفرد. ولكن الفرد المعذور كالمريض مثلا، وليس الفرد القادر على الجماعة.
أليس هناك حديث أن الذي يمرض ويسافر، يكتب له ما كان يعمل، مما يدل على أن المعذور له نفس الفضل.
إذا فكيف نفهم إثبات الفضل للعمل وعدم صحتها، أو أننا نأثم إذا صليناها فرادى مع القدرة على الجماعة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمذهب شيخ الإسلام أن صلاة الجماعة شرط في صحة الصلاة بالنسبة لمن تركها بلا عذر, وقد ناقشه في هذه المسألة الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع، مبينا ضعف مذهب شيخ الإسلام في هذه المسألة، منبها على الملاحظة التي ذكرتها, وهي :"فكيف نفهم إثبات الفضل للعمل، وعدم صحتها"

يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في الشرح الممتع: فنقول: إن قوله: «لا شرط» كان دفعا لقول من يقول: إنها شرط لصحة الصلاة، وممن قال: «إنها شرط لصحة الصلاة» شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وابن عقيل. وكلاهما من الحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد.

وعلى هذا القول: لو صلى الإنسان وحده بلا عذر شرعي، فصلاته باطلة، كما لو ترك الوضوء مثلا. وهذا القول ضعيف، ويضعفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة، أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» والمفاضلة: تدل: على أن المفضل عليه فيه فضل، ويلزم من وجود الفضل فيه أن يكون صحيحا؛ لأن غير الصحيح ليس فيه فضل، بل فيه إثم، وهذا دليل واضح على أن صلاة الفذ صحيحة، ضرورة أن فيها فضلا؛ إذ لو لم تكن صحيحة لم يكن فيها فضل.

لكن شيخ الإسلام -رحمه الله- أجاب: بأن هذا الحديث في حق المعذور، أي: من صلى وحده لعذر، فصلاة الجماعة أفضل من صلاته بسبع وعشرين درجة، قال: ولا مانع من وجود النقص مع العذر، فهذه المرأة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ناقصة دين؛ لتركها الصلاة أيام الحيض، مع أن تركها للصلاة أيام الحيض لعذر شرعي، ومع ذلك صارت ناقصة عن الرجل، وهي لم تأثم بهذا الترك، قال: فالمعذور إذا صلى في بيته، فإن صلاة الجماعة أفضل من صلاته بسبع وعشرين درجة.

ولكن يرد عليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مرض العبد أو سافر، كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا» ، فهذا دليل على أن من ترك الطاعة لعذر المرض كتبت له.

ويمكن أن يجيب عنه: بأن المراد من كان من عادته أن يفعل؛ لأنه قال: «كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما»، ولكن مع كل هذا؛ فإن مأخذ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذه المسألة ضعيف. والصواب ما عليه الجمهور: وهو أن الصلاة صحيحة، ولكنه آثم لترك الواجب.

وأما قياس ذلك على التشهد الأول، وعلى التكبيرات الواجبة والتسبيح، في أن من تركها عمدا بلا عذر، بطلت صلاته، فهو قياس مع الفارق؛ لأن صلاة الجماعة واجبة للصلاة، وأما التشهد الأول والتسميع والتكبير، فهذا واجب في الصلاة ألصق بها من الواجب لها. انتهى.

وبخصوص قولك:" أو أننا نأثم إذا صليناها فرادى مع القدرة على الجماعة؟ فهذا هو الصواب، كما ذكرالشيخ ابن عثيمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني