الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قضاء دَين الصديق وتفريج كربته أمر محمود شرعًا

السؤال

هناك قصة أو حادثة أريد أن أستفسر عن حكم الشرع فيها. يقول تاجر: كنت أعمل في التجارة مع صديقي سعود في مدينتنا بريدة، وذات يوم ذهبت لصلاة الجمعة في الجامع الكبير كعادتي، فقال الإمام: الصلاة على الجنازة، وتساءلنا: من المتوفى؟ فإذا صديقه سعود هو المتوفى، والسبب سكتة قلبية، وهذا الحادث في عام 1415هـ، قبل الجوالات ووسائل الاتصال السريعة.
وبعد شهور بدأ يصفي حساباته المادية مع أبناء سعود وورثته، وكنت أعلم أن سعود عليه دَين -300 ألف ريال- لأحد التجار، فطلب مني التاجر أن أذهب معه للشهادة بخصوص الدَّين عند أبناء سعود، وحيث إن الدَّين لم يكن مثبتًا بشكل واضح؛ لأنه تم عبر عدة صفقات، لم يتضح لأبناء سعود هل سدد والدهم ثمن الصفقات أم لا؟ ورفض أبناء سعود التسديد ما لم تكن هناك أوراق ثابتة تثبت أن والدهم لم يسدد المبلغ.
ولأن العلاقة بيننا نحن التجار تحكمها الثقة، لم يوثق ذلك التاجر مراحل التسديد بوضوح، ولم تقبل شهادتي، وصارحني ابن سعود قائلًا: لم يترك لنا والدي سوى 600 ألف ريال، فهل نسدد الدَّين الذي لم يهتم صاحبه بإثباته، ونبقى بلا مال.
دارت بي الدنيا، وتخيلت صديقي سعود معلقًا في قبره، مرهونًا بدينه، كيف أتركك، وأتخلى عنك -يا صديق الطفولة، ويا شريك التجارة-!
بعد يومين لم أنم فيهما، وكنت كلما أغمضت عيني بدت لي ابتسامة سعود الطيبة، وكأنه ينتظر مني مساعدة.
عرصت محلي التجاري بما فيه من بضائع للتقبيل، والبيع، وجمعت كل ما أملك، وكان المبلغ 450 ألف ريال، فسددت دين سعود. انتهت القصة -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن تصرف التاجر في قضاء دين صديقه، وتفريج كربته، أمر محمود شرعًا؛ ففي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة.

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما- أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى: أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى: سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني، وغيرهما، وحسنه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني