الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قبول هبة من يستثمر ماله بالبنك الربوي معتقدا الجواز

السؤال

منذ سنوات وأمي تضع أموالها بالبنوك الربوية، وتحرص على شراء شهادات الاستثمار ذات العائد المحرم، وتضيف الفوائد كل فترة على رؤوس أموالها طمعا في زيادة العائد، وقد نصحتها أكثر من مرة عن حرمة فعلها هذا، وأسمعتها شريط كاسيت لأحد المشايخ التي تحبهم رغبة مني في نقل أموالها لبنك إسلامي. وكنت أقول لها إن البنوك لا تستثمر، بل تقرض بفائدة، وإن الأرباح المتكونة على رؤوس أموالها هي نتاج لتلك الفوائد، كانت تعترض وتقول بأن البنوك تستثمر أموال المودعين، وأن تلك الأرباح حقها، وكثيرا ما كانت تقول بأن المفتي عندنا بمصر " سيد طنطاوي " أفتى بحل التعامل مع تلك البنوك، ولو كانت حراما هو الذي يتحمل الوزر، وكانت تقيس جواز ما تفعله بقولها لي بأن رواتب الموظفين من البنوك، وأنا لا أعلم هل أمي تعتقد فعلا جواز التعامل مع البنوك لاقتناعها بأنها تستثمر ولا ترابي؟ وهل فعلا مقتنعة بفتوى المفتي أم هي تتبع الهوى ورخص العلماء؟ هذا غيب لا يعلمه إلا الله، ولكني كان ينتابني أحيانا شعور وأنا أتحدث معها بأنها تتكلم عن اقتناع لا أدري، ولكن هذا الشعور كان يخامرني أحيانا وأنا أتكلم معها مع العلم بأن أمي مبتلاة بالبخل والحرص على المال، حتى أنها كانت لا تزكي، وتكتفي بزكاة الفطر، وتعتقد أنها بذلك أدت زكاة مالها؛ رغم تحذيري لها بحرمة ذلك.
مرت سنوات ومرضت أمي، وقامت بعمل توكيل لأخي، وقامت بتوزيع هبة علينا من مالها المذكور بالتساوي، وكانت قبلها قد وهبت لي ثمن شراء شقة لفقري وعجزي وقتها عن الشراء، وبالفعل اشتريتها، ثم تيسر بعدها حالي بعض الشيء.
فما حكم قبول الهبة؛ سواء الأولى حال فقري، والثانية حال تيسر حالي، وذلك من الذي ظاهرها أنها تعتقد حل مالها، كما في حالة أمي، لا سيما وأن هناك فتوى لابن تيمية تبيح التعامل مع من ماله حرام إذا كان معتقدا حله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المسلم إذا عامل معاملة يعتقد هو جوازها، وقبض المال، جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في مثل ذلك المال، وإن لم يعتقد جواز تلك المعاملة... ولهذا قال العلماء: إن الكفار إذا تعاملوا بينهم بمعاملات يعتقدون جوازها، وتقابضوا الأموال، ثم أسلموا كانت تلك الأموال لهم حلالا، وإن تحاكموا إلينا أقررناها في أيديهم؛ سواء تحاكموا قبل الإسلام أو بعده.
وإذا قبلت المال، واتضح يوم القيامة أنها كانت تعلم الحق، ولكنها كانت تتبع الهوى والرخص. فما حكم أخذ تلك الهبة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كانت أمك إنما استثمرت أموالها في البنوك الربوية معتقدة جواز ذلك لفتوى من تثق في علمه ودينه، لا متتبعة للرخص والهوى، فلا إثم عليها في الدنيا ولا في الآخرة. وأما لو كانت تتبع الرخص، وتبحث عن فتوى توافق هواها، فهي آثمة، وإلى الله أمرها وحسابها، وأما أنتم فلا إثم عليكم في الانتفاع بذلك المال في حال الفقر، أو في حال اليسر على الراجح لكونه مالا مختلطا، ولكونها اكتسبته تعتقد حله فيما تدعي. وانظر الفتوى رقم: 255337.

أما أنها لم تكن تؤدي زكاة مالها فهذه مصيبة، وإخراجها لزكاة الفطر لا يغني عن زكاة المال شيئا، وقد بينت لها ذلك -كما ذكرت في السؤال- فلتتب إلى ربها قبل أن يدركها الموت، ولتؤد زكاة مالها عما مضى من السنين، ولتخش العقوبة الأليمة الواردة في قوله تعالى: يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ {التوبة:35}، ولما روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

فعظها، واسلك في ذلك كل السبل التي يمكن أن تؤثر عليها لتتوب إلى ربها، وتؤوب إلى رشدها، وتؤدي زكاة مالها. وتكف عن الربا, كما ينبغي أن تبين لها أنه يمكنها استثمار مالها في البنوك الإسلامية، وستعطى أرباحا مقابل ذلك، وشتان بين الربح الحلال والفوائد الربوية المحرمة، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني