السؤال
أنا فتاة عمري 26 سنة، محجبة، أصلي فروضي -ولله الحمد-، أصوم أحيانًا، وأنا لا أعرف ماذا يحصل معي، فأنا أشعر أني منحوسة، فكل من في عمري تزوج، أو حصل على وظيفة، وأنا ما زلت في مكاني دون زواج، ووظيفة، وأدعو الله كثيرًا، ولا أعرف ماذا أفعل، وتعبت من نظرات الناس إليَّ، وأحس أنني فاشلة، وأخاف أن أكون أذنبت ذنبًا، وأن الله لا يحبني، فساعدوني.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يشرح صدرك، ويفرّج همّك، ويقّر عينك بزوج صالح، يعفّك، ويوسّع عليك برزق طيب.
واعلمي أن الابتلاء ليس بالضرورة أن يكون عقوبة للعبد، أو دليل هوان على الله، بل قد يكون الابتلاء دليل محبة من الله تعالى، وسببًا لرفع الدرجات، ونيل الثواب العظيم، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي، فله الرضى، ومن سخط، فله السخط. رواه الترمذي.
فاصبري، وأبشري خيرًا، ولا تيأسي، وأحسني الظنّ بالله، واعلمي أنّ الله قد يصرف عنك شيئًا، ويدخر لك خيرًا منه، قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
قال ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد: والعبد لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربه، وحكمته، ولطفه، لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل، وإن كان دنيئًا، وبقلة الرغبة في الآجل، وإن كان عليًّا.
وعلى أية حال؛ فإنه إذا نزلت بالعبد بلية، أو شعر بعدم التوفيق في بعض الأمور، فعليه أن يتهمّ نفسه، ويراجع حاله مع الله، فإنّه كما قيل: لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ... يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ.
قال ابن القيم في الجواب الكافي: ومن عقوبات الذنوب إنها تزيل النعم، وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب.
فعليك بتجديد التوبة العامة، وكثرة الاستغفار، والإلحاح في الدعاء، مع الحذر من استعجال نتيجة الدعاء، وترك الدعاء يأسًا من الإجابة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت، فلم يستجب لي. متفق عليه.
واعلمي أنّ إجابة الدعاء لا تكون بالضرورة بتحققّ المطلوب، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاث: إِمَّا أنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أنْ يَصْرِف عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا" قَالُوا: إِذن نُكْثِرُ، قَالَ :"اللَّهُ أكْثَرُ". رواه أحمد.
وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.