الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يُطلَب فيه تجديد النية وما لا يُطلَب

السؤال

أنا طبيب جراح، وأريد أن أعلم هل أجدد النية مع الله عند كل مريض أريد أن أقوم له بعملية استعجالية، أو غير استعجالية؟ أم النية التي نويتها عند بداية العمل تكفي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالنية التي نويتها عند بداية عملك، وإن كانت تنفعك وتؤجر عليها إن شاء الله، إلا أن تجديدها عند إجراء كل عملية جراحية: أمر لا غنى عنه لتحصيل ثواب الفعل نفسه؛ لأن العادات بصفة عامة لا يؤجر عليها صاحبها؛ إلا إن نوى التقرب بها إلى الله تعالى. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى. متفق عليه. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لا أجر إلا عن حسبة، ولا عمل إلا بنية. رواه الديلمي، وصححه الألباني بشواهده.

قال المناوي في فيض القدير: "لا أجر إلا عن حسبة" أي عن قصد طلب الثواب من الله، ولا عمل معتد به إلا بنية. انتهى.
وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: إن قيل: لم أثيب ناوي القربة على مجرد نيته من غير عمل، ولا يثاب على أكثر الأعمال إلا إذا نواه؟ فالجواب: ما ذكرناه من أن النية منصرفة إلى الله تعالى بنفسها، والفعل المردد بين العادة والعبادة غير منصرف إلى الله، فلذلك لا يثاب عليه. اهـ.
والنية المعتبرة حتى في العبادات المحضة - فضلا عن التقرب بالعادات - هي التي تقترن بالفعل، فإن تعلقت بأمر مستقبل تكون مجرد عزيمة، قال الماوردي: النية هي قصد الشيء مقترنا بفعله، فإن قصده وتراخى عنه فهو عزم. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أن وقت النية هو أول العبادات، أو أن الأصل أن أول وقتها أول العبادات، فيجب - كما عبر بعضهم - أن تقترن النية بأول كل عبادة؛ إلا أن يشق مقارنتها إياها. اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: القصود والنيات والعزوم على الطاعات فيما يستقبل من الأوقات، فيجب على المكلف أن يعزم على الطاعات قبل وجوبها ووجوب أسبابها، فإذا حضرت العبادات وجبت فيها القصود إلى اكتسابها، والنية بالتقرب بها إلى رب السموات. اهـ.
ثم عقد فصلا في وقت النية المشروطة في العبادة، قال فيه: إذا كان الغرض بالنيات التمييز كما ذكرنا، وجب أن تقترن النية بأول العبادة؛ ليقع أولها مميزا ثم يبتنى عليه ما بعده ... وإن تقدمت النية فإن استمرت إلى أن شرع في العبادة أجزأه ما اقترن منها بالعبادة، وإن انقطعت النية قبل الشروع في العبادة لم تصح العبادة لترددها ... اهـ.
وهنا ننبه على أن تحصيل النية وتجديدها ليس بالأمر الشاقِّ، فإن النية تتبع العلم والإرادة، فمتى علم المرء ما يريد فعله، نواه ضرورةً بغير اختياره! فمن كان يعلم أن الله يحب إغاثة الملهوف، وتلبية المضطر، وإعانة المحتاج، وإحياء النفوس، ويثيب عليها، فأراد فعلها من أجل ذلك، فقد نوى التقرب إلى الله. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 280285.

وقال الزركشي في المنثور في القواعد الفقهية: حقيقة النية هو ربط القصد بمقصود معين، والمشهور أنها مطلق القصد إلى الفعل ... وقال الغزالي في فتاويه: أمر النية سهل في العبادات، وإنما يتعسر بسبب الجهل بحقيقة النية، أو الوسوسة، فحقيقة النية القصد إلى الفعل، وذلك مما يصير به الفعل اختياريا، كالهوي إلى السجود، فإنه يكون تارة بقصده، وتارة يكون بسقوط الإنسان على وجهه بصدمة، فهذا القصد يضاده الاضطرار، والقصد الثاني كالعلة لهذا القصد، وهو الانبعاث لإجابة الداعي، كالقيام عند رؤية إنسان، فإن قصدت احترامه فقد نويت تعظيمه، وإن قصدت الخروج إلى الطريق فقد نويت الخروج .. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني