الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم وقف جميع المال والاشتراط أن ينفق منه على نفسه

السؤال

في حالة ما إذا كان المسلم عازباً ليس له زوجة ولا ولد، ومعه بعض المال يريد أن ينفقه كله في أوجه الخير، ولا يبقي شيئاً للورثة من أقاربه بعد موته؛ لأنهم جميعاً أغنياء بفضل الله تعالى، ولله الحمد أولاً وأخيراً.
فهل يجوز له أن يجعل كل ماله وقفاً لله تعالى، ثم يخصص جزءاً من ريع هذا الوقف يأخذه لينفق منه على نفسه كل شهر مثلاً، أو بحسب حاجته؟
وفي حالة ما إذا كان ذلك جائزاً، فهل يلزمه أن لا يأخذ إلا مبلغاً ثابتاً من ريع هذا الوقف، أم يمكن أن يكون هذا المبلغ متغيراً بحسب حاجته؟ وهل يجوز أن يأخذ منه كما يشاء لإنفاقه مثلاً في وجوه خير أخرى؟ وهل هناك سبيل شرعي آخر لإنجاز مثل هذه الغاية، كأن يأخذ الموافقة من كافة الورثة في حال حياته وحياتهم، بأنه يريد وقف جميع ماله، أو أي حل آخر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيجوز لمن كان له مال وليس عنده من تلزمه نفقته، أن يوقف جميع ماله في أوجه الخير، بشرط أن يكون ذلك في حال صحته.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ، أَوْ كَانَ لِمَنْ يُمَونُ كِفَايَتُهُمْ، فَأَرَادَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَكَانَ ذَا مَكْسَبٍ، أَوْ كَانَ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ، يُحْسِنُ التَّوَكُّلَ وَالصَّبْرَ عَلَى الْفَقْرِ، وَالتَّعَفُّفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَحَسَنٌ. اهـ.
ويجوز له عند الحنابلة أن يشترط الإنفاق على نفسه من الوقف، سواء شرط مبلغاً معيناً أو متغيراً حسب حاجته، خلافاً للمالكية والشافعية، فلا يجوز عندهم أن ينتفع من الوقف.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا اشْتَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، صَحَّ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ......

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ، فَلَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ نَفْعِهِ لِنَفْسِهِ. اهـ.
وقال: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ لِنَفْسِهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً مُعَيَّنَةً، وَسَوَاءٌ قَدَّرَ مَا يَأْكُلُ مِنْهُ، أَوْ أَطْلَقَهُ. اهـ.
وأمّا أن يأخذ من الوقف الذي جعله لجهة معينة كما يشاء لينفقه في أوجه أخرى، فلا يصحّ ذلك.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: وَإِنْ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَيُدْخِلَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني