السؤال
مشكلتي بدأت بعد تخرجي، فمنذ أن تخرجت والرزق قليل، فكلما قدمت على وظيفة في مجال تخصصي لا أقبل، وتقفل أبواب الرزق في وجهي، وابتليت بذنب مهما تبت عنه لا أستطيع أن أتخلص منه، وابتليت بزوجة جعلت حياتي نكدًا في نكد، فحياتي كلها أصبحت همًّا وغمًّا؛ مع أني أدعو ربنا من سنين أن يصلح حالي، وأستغفر ربنا كل يوم فوق المائتين، وأحيانًا ألف مرة، ومع ذلك لا يتحسن حالي، وأنا مداوم على الصلاة، وأتجنب المال الحرام، وما آذيت أحدًا، وعملت كل شيء حتى يفرج الله همّي، ولم ينفرج؛ حتى ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الدنيا، فأخبروني ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم -أيها الأخ الكريم- أن الرزق قد يضيق لحكمة يعلمها الله تعالى، وليس تضييق رزق شخص ما علامة على بغض الله له، أو مقته إياه، بل لسعة الرزق وضيقه من الحكم ما تعجز عنه العقول، والله تعالى هو المتفرد بتصريف الأمور، وهو سبحانه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، قال جل اسمه: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ... {الفجر:15-17}، أي: ليس كل من وسعنا له الرزق نكون قد أكرمناه، ولا كل من ضيقنا عليه الرزق نكون قد أهنَّاه.
فإذا استشعرت أن لربك تعالى حكمة فيما يقدره ويقضيه، فوطّن نفسك على الرضى بجميع أقضيته، والاستسلام لجميع أحكامه، واحمده على ما يؤتيك من فضله، ولا تضجر، ولا تسخط لقضائه وقدره، فإن فيما يقدره الرحمة، والحكمة، والمصلحة -سبحانه وبحمده-.
ولا ينافي ذلك أن تأخذ بأسباب سعة الرزق وأنت في ذلك مطيع لله، فإن الساعي على نفسه يعفها، وعلى أهله يقوتهم، مأجور مثاب على سعيه بغير شك، فابحث عن العمل المناسب لك، ولا تمل من ذلك.
واعلم أن أهم أسباب سعة الرزق هي: تقوى الله عز وجل، فتب إلى الله مما أنت مقيم عليه من الذنوب، ولا تقتصر على مجرد الاستغفار باللسان، فإن التوبة النصوح، والاجتهاد في الطاعات، من أعظم جوالب الرزق، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2، 3}.
واجتهد في دعاء الله بسعة الرزق، وصلاح الحال، ولا تمل من ذلك، فإن أعجز الناس من عجز عن الدعاء، والله تعالى يستجيب للعبد ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي؛ فيستحسر حينئذ، ويدع الدعاء، فإياك والعجلة، ولا تستبطئ الإجابة مهما تأخرت، وسل الله من فضله، فخزائنه سبحانه ملآى، ويمينه سحّاء -تبارك وتعالى-.
واصبر على زوجك وتحملها؛ فإن في ذلك خيرًا وأجرًا كثيرًا، وادع الله تعالى، وتضرع إليه بأن يصلحها لك -نسأل الله جل وعلا لنا ولك سعة الأرزاق-.
والله أعلم.