الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بناء الأب لأبنائه مع نية البناء للإناث بشرط عدم التصرف فيها ببيع إلا لبعضهم

السؤال

نحن 5 إخوة: 3 ذكور، وابنتان، ووالدنا حي يرزق، والأب له منزل كبير -بفضل الله-، وقد قام بإنشاء شقة لكل ذكر منا، وسوف يقوم ببناء شقة للأختين، ولكننا لا نسكن كلنا في هذا المنزل، وكلنا متزوجون، والوالد يقول: إنه بعد وفاته لا يجوز لأي فرد أن يبيع حقه في البيت إلا لإخوته، ولا يستطيع أي فرد إيجار شقته لأي شخص غريب؛ حتى لا يدخل أي غريب بيتنا، علمًا أنني أنا وإخوتي نعمل، ولكننا لا نستطيع شراء حق الأختين؛ بسبب ظروف المعيشة الصعبة، وبعض الإخوة ممن لا يسكن في هذا البيت من الذكور أو الإناث غير راضين عن هذا، فهناك أخوان وأخت، وعندما علم الوالد أن إخوتي غير راضين عن هذا الكلام، أصبح لا يريد بناء الشقة الناقصة، حتى يكون لكل ذكر شقة، وللأختين شقة، فما العمل؟ ولو وافقوا جميعًا بعد ذلك على عدم البيع أو الإيجار، فهل يجوز للبنت أن تبني لابنها في منزل والدها، وهل يجب أن أنفذ ما قاله أبى بعدم البيع أو إيجار أي شقه لأحد غريب؟ وماذا أفعل مع الأختين: فواحدة منهما تريد بعد وفاة الوالد إيجار الشقة، أو بيعها؛ لأنها غير مستفيدة منها بشيء، والأخرى لا تريد البيع أو الإيجار؟ أفيدوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالشقق التي بناها والدكم للذكور، أو التي ينوي بناءها للإناث: إن كان والدكم يريد بذلك أن تكون لكم بعد مماته؛ فإن هذه تعتبر وصية لوارث، والوصية للوارث ممنوعة شرعًا، ولا تمضي إلا برضى الورثة، على ما فصلناه في الفتوى: 121878، والفتوى: 170967.

وإن كان يريد أنها هبة لكم في حياته، وليست وصية بعد مماته: فلا حرج في تلك الهبة، ولكن يجب عليه أن يعدل فيها، وليس من العدل أن يهب الذكور فيبني لهم الشقق، ويملكها لهم، ويؤجل الهبة للإناث؛ لأنه ربما مات قبل ذلك، فيكون قد جار ولم يعدل.

وإذا تمت الهبة بشروطها المعتبرة شرعًا، فليس من حقه أن يمنع أولاده من التصرف فيها بعد مماته بمنعهم من البيع، أو الهبة، ونحو ذلك من وجوه التصرف؛ لأن من ملك شيئًا، لم يُحجر عليه في التصرف فيه بغير مسوغ شرعي، وانظر الفتوى: 124965 عن حكم اشتراط عدم التصرف في الهبة.

وكون والدكم لا يريد أن يَدخل عليكم غريبٌ يشارككم في العقار، هذا لا يبرر منعه لكم من التصرف، ومن المعلوم أن ما كان من العقار شركةً بين الأولاد ذكورًا وإناثًا، وأراد أحدهم بيع نصيبه فيه بعد ممات والده، فإنه يجري في هذا البيع حكم الشُّفْعَةِ، وقد ذكرنا في الفتوى: 364201 شروط ثبوت حق الشفعة في الشركة.

كما أن الأولاد أيضًا إذا اشتركوا في العقار بعد وفاته -بسبب ميراث، أو هبةٍ-، وأراد أحدهم أن يبيع نصيبه، فله الحق، ويُجبرُ البقية على البيع، إذا كان العقار لا يقبل القسمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كَلُّ مَا لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ، وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ إذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ذَلِكَ، وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْبَيْعِ، وَحَكَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ذَلِكَ إجْمَاعًا. اهــ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني