الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرق بين المرتد والمشرك والكافر

السؤال

هل هناك فرق بين المشرك المرتد عن دين الإسلام، والمشرك الأصلي (كمشركي النصارى) أم هم كلهم مذنبون ذنب الشرك؛ لكون ذنب الشرك هو الإيمان بالله ومعرفته، ثم إيجاد ند له.
ولكونهم جاءتهم رسالة مثل رسالة الإسلام: (أم تعتبر رسالة الإسلام تختلف في موضوع الشرك بأنها صارمة أكثر)
وهل يمكن أن نأخذ كأحد الدلائل على قبول توبة المشرك: توبة عباد العجل (قوم موسى الذين أشركوا، الذين آمنوا ثم أشركوا، ثم قبل توبتهم وقال تعالى: وكذلك نجزي المفترين. أي كل شخص فعل مثل فعلتهم، ثم إن تاب، تاب الله عليه. (أم في الديانة الإسلامية يختلف الحكم في الآخرة)
ويقول عز وجل: لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك. كما قلتم إن هذه الآية مختصة بالآخرة، أو بمن لم يتب.
فلماذا لم يذكر الكفر؛ لأن الكفر أعم؟ وأيضا لماذا لم يضع الكفر مع حديثه عن الكبائر: (الشرك السحر القتل.....)؟
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم يتضح لنا مراد السائل بالقدر الكافي! ولكن في ضوء ما فهمناه نجيبه عن مسألتين:
- الأولى: هل المرتد والمشرك الأصلي حكمهما واحد؟ والجواب: أنهما يتفقان ويفترقان في بعض الوجوه.

فأما في الآخرة فيتفقان في الخلود في النار، والعياذ بالله.

وأما في الدنيا فبينهما فروق في بعض الفروع، فأحكام المرتد أغلظ. فهو لا يُقَرُّ على دينه، ولا تؤكل ذبيحته حتى ولو انتقل إلى دين أهل الكتاب، ولا يرث أحدا ولو كان كافرا على دينه، وكذلك لا يرثه قرابته المسلمون، وتكون تركته فيئا لبيت المال عند جمهور العلماء. وإذا تزوج بعد ردته، فلا يصح زواجه ولو من مرتدة مثله؛ لأنه لا ملة له. وتفصيل هذه الأحكام يرجع فيها لأبواب الردة من الكتب الفقهية. وانظر للفائدة، الفتوى: 40113.
وأما بالنسبة للتوبة: فهي مقبولة بشروطها، سواء من المرتد، أو من الكافر الأصلي. بل إن استتابة المرتد واجبة عند جمهور الفقهاء. وانظر الفتوى: 75718.
والمسألة الثانية هي: العلاقة بين الكفر والشرك، وهذه محل نظر! فالمشهور هو ما أشير إليه في السؤال من كون الكفر أعم من الشرك. فكل مشرك كافر، ولا عكس. وانظر الفتاوى: 11022، 129080، 49581.
ومن أهل العلم من يرى الكفر والشرك شيئا واحدا، فعندهم أن كل كافر مشرك، كما أن كل مشرك كافر، واستدلوا بحديث: بين الرجل وبين الشرك والكفر، ترك الصلاة. رواه مسلم.

فذكر الشرك والكفر كليهما، مع أن تارك الصلاة لا يلزم أن يتخذ شريكا مع الله تعالى. واستدلوا كذلك بالآية التي ذكرها السائل: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: 48]، باعتبار أن الكفر أيضا لا يغفر بالإجماع.

قال الماتريدي في تفسيره: الكفر هو الشرك، والشرك هو الكفر؛ كقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)؛ فدل أن الكفر والشرك واحد؛ فكل كافر مشرك. اهـ.
وقال إسماعيل حقي الخلوتي في روح البيان: قد يطلق -يعني الشرك- ويراد به مطلق الكفر؛ بناء على أن الكفر لا يخلو عن شرك، كما يدل عليه قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك}. فإن من المعلوم في الدين أنه تعالى لا يغفر كفر غير المشركين المشهورين من اليهود والنصارى، فيكون المراد: لا يغفر أن يكفر به. اهـ.
وقال أبو حيان في البحر المحيط: الجمهور على أن المشرك من اتخذ مع الله إلها آخر، وعلى أن أهل الكتاب ليسوا بمشركين. ومن العلماء من أطلق عليهم اسم الإشراك لقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به}، أي يكفر به. اهـ.

وقال النووي في شرح مسلم: الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد، وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات، مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني