السؤال
في حديث المرأة التي جاءت النبي تشكو زوجها -صفوان بن المعطل- أنه يضربها إذا صلت، ويفطرها إذا صامت، ولا يصلي الفجر إلا بعد شروق الشمس، ولم ينكر النبي عليه أي شيء مما يفعله، فهل للزوج ضرب زوجته دون وعظ، أو هجر؟ وهل المرأة ممتهنة في الإسلام لهذه الدرجة؟ وكيف لا ينكر النبي عليه أنه يصلي بعد الشروق، حتى إن كان من أهل الأعذار؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحديث المذكور في السؤال، قد ذهب بعض أهل العلم إلى عدم صحته، قال ابن حجر -رحمه الله- في الإصابة: وإسناده صحيح، ولكن يشكل عليه أن عائشة قالت في حديث الإفك: إنّ صفوان قال: والله ما كشفت كنف أنثى قطّ. وقد أورد هذا الإشكال قديمًا البخاري، ومال إلى تضعيف حديث أبي سعيد بذلك. انتهى. وقال في فتح الباري: قال البزار: هذا الحديث كلامه منكر، ولعل الأعمش أخذه من غير ثقة، فدلسه، فصار ظاهر سنده الصحة، وليس للحديث عندي أصل. انتهى. وما أعله به ليس بقادح؛ لأن ابن سعد صرح في روايته بالتحديث بين الأعمش وأبي صالح، وأما رجاله فرجال الصحيح. انتهى.
وعلى القول بصحة الحديث؛ فليس فيه إهانة للمرأة، ولكن فيه التنبيه على أنّ حقّ الزوج في الاستمتاع مقدم على تطوع المرأة بالصلاة، والصيام، وليس فيه تصريح بكون الضرب قبل الوعظ، والهجر في المضجع.
والراجح عندنا: أنّ الضرب المأذون فيه للمرأة لا يكون إلا بعد الوعظ، والهجر، وعدم إفادتهما، فالضرب المأذون به للزوج، يكون بعد استعمال الوعظ، والهجر، وعدم إفادتهما، ولا يكون إلا عند ظن إفادته في إصلاح الزوجة، قال النووي -رحمه الله- في روضة الطالبين: والوعظ التذكير بما يلين القلب لقبول الطاعة، واجتناب المنكر، ثم إذا لم يُفِد الوعظ، هجرها، أي: تجنبها في المضجع، فلا ينام معها في فرش؛ لعلها أن ترجع عما هي عليه من المخالفة، ثم إذا لم يفد الهجر، ضربها، أي: جاز له ضربها ضربًا غير مبرح، وهو الذي لا يكسر عظمًا، ولا يشين جارحة، ولا يجوز الضرب المبرح، ولو علم أنها لا تترك النشوز، إلا به، فإن وقع، فلها التطليق عليه، والقصاص، ولا ينتقل لحالة حتى يظن أن التي قبلها لا تفيد. انتهى.
وقال الحجاوي -رحمه الله- في الإقناع: إذا ظهر منها أمارات النشوز... وعظها، فإن رجعت إلى الطاعة والأدب، حرم الهجر، والضرب، وإن أصرت، وأظهرت النشوز؛ بأن عصته، وامتنعت من إجابته إلى الفراش، أو خرجت من بيته بغير إذنه، ونحو ذلك، هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ثلاثة أيام، لا فوقها، فإن أصرت، ولم ترتدع، فله أن يضربها، فيكون الضرب بعد الهجر في الفراش، وتركها من الكلام ضربًا غير مبرح، أي: غير شديد، ويجتنب الوجه، والبطن، والمواضع المخوفة. والمستحسنة: عشرة أسواط فأقل، وقيل: بدرة، أو مخراق منديل ملفوف، لا بسوط، ولا بخشب. انتهى.
ومع ذلك؛ فترك الضرب عند إباحته أفضل، كما بيناه في الفتوى رقم: 22559.
وأمّا ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على صفوان نومه عن صلاة الصبح، فقيل: إنّ المراد تأخره حتى يقرب طلوع الشمس، قال ابن الملقن في التوضيح: وأما قوله فيه: إنه لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس. فلعل المراد قرب طلوعها؛ لأن صلاته - عليه السلام - كانت بغلس، فصلاته بالنسبة إليه كالطلوع. انتهى.
وقيل: إنّه كان بمنزلة المغمى عليه، فكان معذورًا، قال صاحب عون المعبود: ذلك أمر عجيب من لطف الله -سبحانه- بعباده، ومن لطف نبيه صلى الله عليه وسلم، ورفقه بأمته، ويشبه أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع، واستيلاء العادة، فصار كالشيء المعجوز عنه، وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يغمى عليه، فعذر فيه، ولم يثرب عليه، ويحتمل أن يكون ذلك إنما كان يصيبه في بعض الأوقات دون بعض، وذلك إذا لم يكن بحضرته من يوقظه، ويبعثه من المنام، فيتمادى به النوم حتى تطلع الشمس، دون أن يكون ذلك منه في عامة الأحوال. انتهى.
والله أعلم.