السؤال
هل إن صليت الفرائض في البيت وحدي بدون عذر تكون صلاتي صحيحة أم باطلة؟ وهل لي أجر حتى لو كان أقل بكثير من صلاة الجماعة؟ لقد قرأت كثيرا عن هذا، وأنه محل جدل، لكن ما وصلت له أن معظم المواقع تقول ما يقوله العلماء، ونحن نقرر ماذا نفعل، وأنا لا أعلم ماذا أختار؛ لأن البعض من العلماء قال عنها سنة مؤكدة، وهؤلاء يؤيدون أن صلاة البيت صحيحة، ولها أجر، ولكن أقل درجات من الجماعة. والبعض قال إنها فرض كفاية، وأنا لا أعلم معنى (فرض كفاية). هل هذا الرأي يتبع العلماء الذين يقولون إن صلاة البيت صحيحة، ولها أجر أم لا؟ والبعض قال عنها واجب، وأيضا سمعت شيئا لا أفهمه وهو أن الصلاة صحيحة، ولكن مع الإثم؟ ولا أفهم كيف تكون الصلاة صحيحة، وآخذ إثما بدلا من الثواب. لذلك فأنا أريد ردا قاطعا وواضحا من حضراتكم على سؤالي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالخلاف في حكم صلاة الجماعة مشهور، فقيل هي سنة مؤكدة، وقيل فرض كفاية في كل بلد، لأنها من مظاهر شعائر الإسلام في البلد، وفرض الكفاية هو الذي إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وإن تركوه جميعا أثموا جميعا، مثل رد السلام، وتجهيز الميت والصلاة عليه.
وقيل -وهو معتمد مذهب الحنابلة- إن صلاة الجماعة واجبة عينا على الرجال الأحرار البالغين، لكنها ليست شرطا في صحة الصلاة. ومن فقهاء الحنابلة من مال إلى كونها شرطا في صحة الصلاة.
والصحيح الذي نختاره، ونفتي به هو معتمد مذهب الحنابلة، وهو أن الجماعة فرض عين على الرجال الأحرار البالغين، لكنها ليست شرطا في صحة الصلاة، بل صلاة من صلى منفردا من غير عذر مع القدرة على الجماعة صحيحة، لكنه آثم، لا من جهة بطلان صلاته، أو عدم قبولها، وإنما من جهة تركه لواجب أذائها في الجماعة، فلا إشكال إذن في هذا الراي، ولا تعارض بين جهاته كما رأيت.
وقد وضح العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع هذا الحكم فقال: فنبدأُ أولاً بذِكْرِ دليلِ الحُكمِ الذي هو اللُّزوم. فدليلُ وجوبها مِن كتابِ الله وسُنَّةِ رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، وعَمَلِ الصحابةِ رضي الله عنهم.
أما الكتابُ فقول الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} فاللامُ للأمْرِ، والأصلُ في الأمْرِ: الوجوبُ. ويؤكِّد أنْ الأمْرَ للوجوب هنا: أنَّه أمَرَ بها مع الخوفِ مع أنَّ الغالبَ أنَّ الناسَ إذا كانوا في خَوْفٍ يشُقَّ عليهم الاجتماع، ويكونون متشوِّشين يحبُّون أنْ يبقى أكثرُ النَّاسِ يرقبُ العدوَّ {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} سَجَدوا بمعنَى: أتمُّوا صلاتَهم. {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} أي: لم يصلُّوا مع الأُولى. {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}. فهنا أَمَرَ اللهُ عزّ وجل بصلاةِ الجماعةِ، وتفريقِ الجُندِ إلى طائفتين، فيُستفادُ منه أنَّ صلاةَ الجماعةِ فَرْضُ عينٍ. ووجه ذلك: أنَّها لو كانت فَرْضُ كِفايةٍ لسَقَطَ الفرضُ بصلاةِ الطائفة الأُولى.
أما السُّنَّةُ: فالأدَّلةُ فيها كثيرة... ثم ساق الشيخ طرفا من أدلة السنة، وعمل السلف وبين الحكمة في مشروعية الجماعة بيانا حسنا ثم قال: والجماعة ليست شرطا في صحة الصلاة، فلو صلى الإنسانُ وحده بلا عُذرٍ فصلاتُه صحيحةٌ، لكنَّه آثمٌ. لاَ شَرْطٌ ............ وقوله: «لا شرط»، قد يقول قائلٌ: لماذا قال «لا شرطٌ»؟ فنقول: إن قوله: «لا شرطٌ» كان دَفْعاً لقولِ مَن يقول: إنَّها شرطٌ لصحَّة الصلاةِ، وممَن قال: «إنَّها شرطٌ لِصحَّةِ الصلاةِ» شيخُ الإسلام ابنُ تيمية -رحمه الله، وابنُ عقيل. وكلاهما مِن الحنابلةِ، وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمد. وعلى هذا القول: لو صَلَّى الإنسانُ وحدَه بلا عُذْرٍ شرعيٍّ فصلاتُه باطلةٌ، كما لو تَرَكَ الوضوءَ مثلاً. وهذا القولُ ضَعيفٌ، ويضعِّفُه أنَّ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «صَلاةُ الجماعةِ أفضلُ مِن صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعِشرين درجةً» والمفاضلةُ: تدلُّ: على أنَّ المُفَضَّلَ عليه فيه فَضَلٌ، ويلزمُ مِن وجودِ الفَضْلِ فيه أنْ يكون صحيحاً؛ لأن غيرَ الصحيحِ ليس فيه فَضْلٌ، بل فيه إثمٌ، وهذا دليل واضحٌ على أنَّ صلاةَ الفَذِّ صحيحةٌ، ضرورةَ أنَّ فيها فضلاً؛ إذ لو لم تكن صحيحةً لم يكن فيها فَضْلٌ، لكن شيخُ الإسلام رحمه الله أجاب: بأنَّ هذا الحديثِ في حَقِّ المعذور، أي: مَن صَلَّى وحده لعُذرٍ، فصلاةُ الجماعةِ أفضلُ مِن صلاتِهِ بسبعٍ وعِشرين درجةً، قال: ولا مانعَ مِن وجودِ النقصِ مع العُذرِ، فهذه المرأةُ وَصَفَها النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بأنَّها ناقصةُ دِيْنٍ؛ لتركها الصَّلاةَ أيامَ الحيضِ ، مع أن تركَهَا للصَّلاةِ أيام الحيضِ لعُذرٍ شرعيٍّ، ومع ذلك صارت ناقصةً عن الرَّجُل، وهي لم تأثم بهذا التَّرْكِ، قال: فالمعذورُ إذا صَلَّى في بيته فإنَّ صلاةَ الجماعةِ أفضلُ مِن صلاتِهِ بسبعٍ وعِشرين درجةً. ولكن يَرِدُ عليه: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً» ، فهذا دليلٌ على أنَّ مَن تَرَكَ الطاعةَ لعُذرِ المرضِ كُتبت له. ويمكن أن يجيب عنه: بأن المُرادَ مَن كان مِن عادتِهِ أن يفعلَ؛ لأنه قال: «كُتِبَ له ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً»، ولكن مع كلِّ هذا؛ فإن مأخذَ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ رحمه الله في هذه المسألةِ ضعيف، والصَّوابُ ما عليه الجمهور: وهو أنَّ الصلاةَ صحيحةٌ، ولكنه آثمٌ لتَرْكِ الواجبِ، وأما قياسُ ذلك على التشهُّدِ الأولِ وعلى التكبيراتِ الواجبةِ والتسبيحِ، في أنَّ مَن تَرَكها عمداً بلا عُذرٍ بطلت صلاتُهُ، فهو قياسٌ مع الفارقِ، لأنَّ صلاةَ الجماعةِ واجبةٌ للصَّلاةِ، وأما التشهُّدُ الأولُ والتسميعُ والتكبيرُ فهذا واجبٌ في الصَّلاةِ ألصقُ بها مِن الواجبِ لها. انتهى.
والله أعلم.