الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توجيه لمن اشتد عليه البلاء والهمّ حتى ساء أدبه مع ربّه تعالى

السؤال

أصابني من الهمّ ما أصابني، وأنا على هذه الحال منذ أربع سنوات، وإيماني بالله تعالى، وصدق الدعوة المحمدية، إيمان يقيني، ورغم محاولاتي العديدة لدفع الهمّ عني بالصلاة، والدعاء، والاستغفار، ونحو ذلك، حتى حافظت على ورد إحدى عشرة ركعة بألف آية؛ ولم يدفع عني ذلك البلاء والهمّ، بل قد اشتد، وجعلت أستغفر في اليوم، وأسبّح، وأحمد الله في اليوم ألف مرة، ولم أفلح في دفعه عني، وصرت أصلي على رسول الله ألف صلاة، وجعلت جُلَّ دعائي صلاة عليه؛ استنادًا إلى حديث أبيّ بن كعب، ومازال الهمُّ لي ملازمًا؛ حتى صرت أشكّ في رحمة الله، فأقول: لعلها صفة خاصة بيوم القيامة، والحال أنها صفة ثابتة لازمة لله تعالى؛ وصرت في لحظات اليأس الشديد، أسخط على الله، وأقول ما لا يصح قوله كقولي: "لو علمت إلهًا غيرك يجيب سؤلي لدعوته، ولكنك الله لا إله إلا أنت، فمن لي سواك!؟"؟ أو أقول: "أولست الرحمن الرحيم!؟ أولست أرحم من الأم بولدها!؟ فلماذا لا ترحمني!؟"، ونحو ذلك، كما أذكر قوله صلى الله عليه وسلم: يبتلى الرجل على حسب دينه.. أوليس فيما أوصلني البلاء من سوء الأدب مع الله كافيًا أن يخفف الله عني البلاء؟ وأحيانًا صار ينتابني الشك: هل أنا من جماعة المسلمين، أم من المنافقين؟ كما أصبحت أحسّ في الآونة الأخيرة أن الله لا يريد بي خيرًا، ولا يريدني أن أذكره، وصرت في بعض الأحيان إذا تلوت القرآن ساعة من الزمن، يصيبني القلق والضجر، وأذكر قوله: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا"، فأرى نفسي في النار، وأجهش بالبكاء، فماذا أفعل؟ بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك الشفاء، والعافية، ثم اعلم -عافاك الله- أن الله حكيم عليم، وأنه مع رحمته، فهو الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، فلا ريب في كون هذا البلاء الذي نزل بك مصحوبًا بحكمة عظيمة لله تعالى، وقد يكون من تلك الحكم: رفع درجاتك في الآخرة، وأن يبتلي الله صبرك، ويختبر إيمانك ويقينك، فحذارِ حذارِ من الجزع.

واعلم أنه مهما نزل بك من البلاء؛ فإنك مأجور على كل ذلك، ولا يصيبك شيء من الهم -صغر أو كبر- إلا كان كفارة لخطاياك، وبما يحصل لك من الصبر، يعظم الأجر، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}.

فإياك والجزع، واحذر سوء الأدب مع الله تعالى، وتب من إطلاق ما أطلقته من العبارات السيئة؛ فإن ربك تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وتذرع بالصبر، والزم ما أنت عليه من الخير، والاجتهاد في الذكر، والدعاء.

ثم ننصحك بالتداوي، ومراجعة طبيب نفسي ثقة؛ فربما كان ما بك لسبب عضوي، فامتثل وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي، وراجع الأطباء الثقات.

كما يمكنك مراجعة قسم الاستشارات بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني