السؤال
أدعو الله بشيء منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأتحرى جميع أوقات الاستجابة، وأقوم الليل بسورة البقرة في ركعتين. وأكثر من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم آلاف المرات. بالإضافة إلى الحسبلة والحوقلة، وحمد الله كل يوم بالآلاف أيضا. وقراءة ورد يومي من القرآن، إضافة إلى أذكار الصباح والمساء والنوم، والرقية الشرعية أيضا، لكن كل بضعة أشهر تصيبني حالات من اليأس والسخط، وعدم الثقة بالله، وضيق الصدر؛ فتصبح هذه الطاعات ثقيلة علي، وأشكك في نفعها لكن لا أقطعها. لكن هذه المرة أتتني وبشدة بعد أن جاءني خبر تحقق ما كنت أدعو الله به لأحد أقاربي الأصغر سنا، الذي يمضي وقته باللهو والاستماع للموسيقى، ولا يقوم بربع ما أقوم به. فأصابني سخط وضيق صدر شديد، لدرجة أني أشعر أن قلبي سينفجر. أفكر في الانتحار كثيرا، أو التوقف تماما عن أداء هذه الطاعات. وأسيء الظن بالله، وأنعته بنعوت لا تليق، وألومه في نفسي. وأصبحت أطلب في دعائي شيئا واحدا، وهو أن يميتني إن لم يكن سيعطيني ما أدعو به. ومما زاد الطين بلة، أنني وجدت بالصدفة العديد من القصص لأناس أمضوا سنين في طلب الله رفع البلاء، ولا زالت حالتهم لم تتغير أو ازدادت سوءا، منهم من هو على هذا الحال من أربع سنوات، ومنهم من وصل عشرين سنة، أحدهم يقوم الليل بألف آية. أصبحت أؤمن بأن كل ما أقوم به لا يجدي، وأفكر في التوقف عن كل شيء حتى الدعاء.
بماذا تنصحوني؟ وهل تحبط أعمالي السابقة بسبب سوء أدبي مع الله، ويمنع عني إجابة الدعاء بسبب هاته الحالات التي تصيبني، مع أني أستغفر بعدها مباشرة.
أعتذر عن الإطالة وجزاكم الله خيرا، أرجو إجابة سريعة؛ لأني أحس أن قلبي أصبح على وشك الانفجار.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فههنا أمور لا بد من بيانها:
أولا: الله أعلم بمصالح العبد من نفسه، وهو أرحم به من أمه التي ولدته، وهو الغني القادر على سوق تلك المصالح إلى العبد. فإذا صرفها عنه، فإنما يصرفها لكونها ليست مصلحة له، ولعلمه سبحانه بأن الخير في غيرها.
فمن آمن بهذه الحقائق حق الإيمان، لم يتزعزع يقينه في أن ما عند الله خير للأبرار، وأن ما يقدره الله هو الخير بكل حال.
ثانيا: الدعاء خير كله، فإن لم ينتفع العبد باستجابة دعائه؛ فإنه منتفع ولا بد بأن يصرف الله عنه من السوء مثلها، أو يدخرها له يوم القيامة؛ كما صح في الحديث.
ثالثا: قد يؤتى العبد من قبل نفسه وهو لا يشعر، فقد يكون المانع من إجابة دعائه خللا في إيمانه، أو نقصا في توحيده، أو ذنبا هو مصر عليه. فعلى العبد أن يتوب إلى الله تعالى في كل حين، ويفوض أمره إليه، ويعلم أن عقله قاصر عن إدراك الحكم والغايات المحمودة لأفعال الرب سبحانه، وأن يجتهد في إصلاح ما بينه وبين الله تعالى؛ ففي ذلك الخير كله له.
رابعا: ما أصابك من اليأس والقنوط ونحو ذلك، إن كان مجرد خواطر تمر بقلبك ثم تدفعينها فإنها لا تضرك، وأما إن تكلمت بذلك أو استقر في قلبك فأنت على خطر عظيم، فعليك أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا كله، وأن تستحضري حكمته البالغة، وأن العباد ليس لهم حق واجب عليه سبحانه، وأن تتفكري في نعمه الكثيرة التي حباك إياها وزودك بها. فالفكرة في تلك النعم تجعلك تستشعرين فضله سبحانه، ومنته التي لا تحصى.
خامسا: توبي إلى الله تعالى من الفكرة في الانتحار، ومن سوء الأدب معه سبحانه، واستحضري ما ذكرناه من المعاني وغيره. واعلمي أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإذا تبت توبة صادقة، محت عنك كل الذنوب، ولم يحبط شيء من عملك إن شاء الله.
والله أعلم.