الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يسقط حق الأب في البر بتقصيره أو إساءته

السؤال

أنا عمري 27 سنة، متزوج، وعندي طفلان، ومعيشتنا جيدة، وأمي -رحمها الله- متوفاة من سنتين، وهي مطلقة من أبي قبل سنتين من وفاتها، ولي أربع إخوة من أبي، ومنذ صغري وأنا وأمي نعيش وحدنا، وكانت تنفق عليَّ، وربَّتْني إلى أن دخلت الكلية، وتخرجت، وزوّجتني، وعشت معها أنا وامرأتي، وصرفت عليَّ أنا وامرأتي الأكل والشرب حتى العلاج؛ لأن شغلي لم يكن يكفي مصاريف البيت، ولم أجد أيَّ اهتمام من أبي، ولا صرف عليَّ أيّ شيء، وعلاقته بأمي كانت مثل الضيف، يأتي زيارات من وقت لآخر؛ على الرغم من مقدرته ماديًّا، لكن كل اهتمامه كان بإخوتي، وما نمت في حضن أبي ليلة واحدة في حياتي، ولا أحسست أن عندي أبًا مثل الناس؛ لدرجة أني كنت أخجل من ذكرياتي؛ حيث كنت دائم الحديث عن والدتي، وليس لي ذكريات مع أبي نهائيًّا، وحالتي الآن جيدة، وراتبي يعيشني، وأبي مريض، وكل كلامه معي ومع زوجتي أنه ليس معه فلوس، والعلاج غالٍ، وأخي الكبير لا يصرف عليه، على الرغم من أن أخي ميسور الحال جدًّا جدًّا، ولا أدري ماذا أعمل، وهل هو يكذب عليَّ؟ وهل أساعده؟ أم إن أولادي أولى بفلوسي؟ وهل من المحرم عدم مساعدته؟ ولو أن أمي كانت موجودة، لقالت لي: بيتك أولى من أبيك، ولا أدري كيف أتصرف.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمهما كان تقصير والدك في حقّك في الصغر؛ فإنّ له عليك حقًّا عظيمًا، ولا يسقط حقه في البر، والمصاحبة بالمعروف بتقصيره أو إساءته؛ فإن الله عز وجلّ قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين الذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.

وإذا كان والدك محتاجًا للنفقة، فالواجب على الموسرين من أولاده أن ينفقوا عليه، والأصل أنّه مصدق في دعواه الحاجة إلى النفقة.

وإذا امتنع جميع الأولاد من الإنفاق على أبيهم، ولم يمكن إجبارهم على الإنفاق، وكان عندك من المال ما يزيد على حاجتك، وحاجة زوجتك وأولادك، وجب عليك أن تنفق على والدك بالمعروف، ويحرم عليك ترك الإنفاق عليه.

وعلى فرض أنّ والدك ليس فقيرًا، وعنده ما ينفق به على نفسه، وسألك بعض المال -وأنت قادر على إعطائه، من غير ضرر-، فلا تتردد في إعطائه، واجتهد في رعايته، والإحسان إليه، وأبشر ببركة هذا العمل في الدنيا والآخرة.

فبرّ الوالد، والإحسان إليه من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِد، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.

وعن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.

قال المباركفوري –رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ: خَيْرُ الْأَبْوَابِ، وَأَعْلَاهَا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ، مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني