السؤال
أتخيل وقت فراغي صورًا -كالصور الكرتونية في رأسي-، وأدخلها في قصص ممتعة، أسلّي بها وقتي، ولا أرسمها، ولكني أتخيلها في عقلي فقط، في قصص لا تحتوي على محرمات، غير أن ملابسها تكون محتشمة بغير غطاء للشعر، فهل هذا حرام، أو فيه مضاهاة لخلق الله؟
أتخيل وقت فراغي صورًا -كالصور الكرتونية في رأسي-، وأدخلها في قصص ممتعة، أسلّي بها وقتي، ولا أرسمها، ولكني أتخيلها في عقلي فقط، في قصص لا تحتوي على محرمات، غير أن ملابسها تكون محتشمة بغير غطاء للشعر، فهل هذا حرام، أو فيه مضاهاة لخلق الله؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس هناك ما يوجب الإثم فيما ذكرتِه، وراجعي الفتوى: 135420.
واعلمي أن من شأن المسلم العناية بحراسة قلبه عن الإغراق في الخيالات الباطلة، التي لا تعود عليه بالنفع في معاشه، أو معاده، قال ابن القيم: قاعدة جليلة: مبدأ كل علم نظري، وعمل اختياري، هو الخواطر والأفكار؛ فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العادة، فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار، وفسادها بفسادها:
فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها، وإلهها، صاعدة إليه، دائرة على مرضاته ومحابه.
ومعلوم أنه لم يعط الإنسان إماتة الخواطر، ولا القوة على قطعها؛ فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه.
فإذا دفعت الخاطر الوارد عليك، اندفع عنك ما بعده، وإن قبلته صار فكرًا جوالًا، فاستخدم الإرادة فتساعدت هي والفكر على استخدام الجوارح، فإن تعذر استخدامها رجعا إلى القلب بالمنى، والشهوة، وتوجهه إلى جهة المراد.
ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل، وتداركه أسهل من قطع العوائد.
فأنفع الدواء أن تشغل نفسك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك؛ فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكّر فيما لا يعنيه، فاته ما يعنيه، واشتغل عن أنفع الأشياء له بما لا منفعة له فيه؛ فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك، فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي تبتعد بها، أو تقرب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك، وكل الشقاء في بُعدك عنه وسخطه عليك.
ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئًا خسيسًا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.
وإياك أن تمكّن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك؛ فإنه يفسدها عليك فسادًا يصعب تداركه، ويلقي إليك أنواع الوساوس، والأفكار المضرة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك، فملكها عليك.
وبالجملة؛ فالقلب لا يخلو من الفكر؛ إما في واجب آخرته ومصالحها، وإما في مصالح دنياه ومعاشه، وإما في الوساوس والأماني الباطلة، والمقدرات المفروضة، والنفس مثلها كمثل رحىً تدور بما يلقى فيها، فإن ألقيت فيها حبًّا، دارت به، وإن ألقيت فيها زجاجًا وحصىً وبعرًا، دارت به. اهـ. من الفوائد باختصار.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني