الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما تتعلق به قدرة الله وما لا تتعلق

السؤال

جزاكم الله خيرا، قبل أن أسأل سؤالي، ولأوفر وقتكم، فأنا قرأت رأيكم في قدرة الله، وأنها تتعلق بالممكنات؛ لأن المحال هو لا شيء.
لكن لا زلت في شك بسبب بعض التساؤلات الأخرى، مثل: إذا كان الحال كذلك، فإذن حتى المخلوقات تقدر على كل شيء؛ لأنه في نطاق الممكن؟
وأيضا كيف لا يقدر على أشياء هو خلقها سبحانه، مثل إلغاء أحداث مضت بحيث يجعلها لم تكن أصلا، أو وضع نهاية للأرقام، كما أن الله جمع بين متناقضين في قصة إبراهيم عليه السلام، حيث أصبحت النار باردة له، وحارة لغيره في آن واحد.
كما أخشى أن تكون استحالة الجمع بين المتناقضات محصورة فقط في حق الله جل وعلا، ومتاحة في حق المخلوقات.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي يتصور معنى المستحيل، يعلم أنه ليس بشيء في الواقع، وإنما هو مجرد خيال ذهني لا يصح أن تتعلق به القدرة أصلا!

وبالتالي، فخروجه عن القدرة لا يقدح فيها، فالله تعالى على كل شيء قدير، وطلاقة قدرته تتعلق بما يصدق عليه أنه شيء، وأما ما ليس بشيء فكيف تتعلق به القدرة؟! فمثلا، لو قيل: هل يقدر الله تعالى على أن يجعل الشيء موجودا ومعدوما في آن واحد؟ أجيب بأن الله على كل شيء قدير، ولكن هذا المطلوب ليس بشيء؛ لأنه مستحيل، والمستحيل ليس بشيء؛ لأن الوجود والعدم متناقضان، فلا يجتمعان ولا يفترقان.
وإذا لم يراع هذا المعنى لزم المرء لوازم باطلة، ووقع في التناقض الواضح، وترتب على ذلك اعتقاد الكفر والعياذ بالله، كمن يسأل: هل يستطيع ربكم أن يخلق مثل نفسه؟ أو أن يفني نفسه؟ أو أن يخلق من يقتله ويغلبه؟ أو يخلق شيئا أكبر منه، أو أن يخلق حجرا يعجز عن حمله ... ومثل هذه الأسئلة الباطلة المبنية على إمكان المستحيل الذي هو ليس بشيء!!

كما سبق أن بيناه في عدة فتاوى، منها الفتاوى: 44982، 111144، 291610.

كما سبق لنا أيضا توضيح معنى الممتنع والواجب والممكن، وبماذا تتعلق القدرة من هذه الأشياء، وذلك في الفتوى: 364606.
وأما قول السائل: (حتى المخلوقات تقدر على كل شيء، لأنه بنطاق الممكن؟) فمبناه على تصور خاطئ؛ إذ المقصود بالممكنات ما ليس بممتنع لذاته، كالجمع بين النقيضين مثلا. وهذا المعنى للإمكان لا يقدر على أنواعه كلها أحد من الخلق. ومن ذلك جعل النار حرقا على شخص، وبردا وسلاما على آخر. فهذا ممكن بمعنى أنه ليس بممتنع، ولكنه ليس في إمكان الخلق، وإنما هو في قدرة الله وحده.

وأما جعل النار بردا وحرقا على شخص واحد في آن واحد، فهذا هو المستحيل الممتنع لذاته، ولا تتعلق به القدرة. وكذلك أيضا وضع نهاية ذهنية للأرقام! إذا كان محالاً وغيرَ ممكن، فلا تتعلق به القدرة.

ومن ذلك أيضا إلغاء الأحداث الماضية بحيث تكون كأنها لم تكن أصلا، فهذا ممتنع؛ لما فيه من الجمع بين النقيضين، لأن الحدث الواحد لا يكون حاصلا وغير حاصل في آن واحد، والماضي لا يكون ماضيا إلا إذا حدث بالفعل، وفرض عدمه بعد ذلك يناقض فرض وجوده السابق! كأننا نقول: هل يمكن أن يوجد الولد قبل أبيه؟! والجواب:لا يمكن؛ لأن الوالد لا يكون والدا إلا إذا سبق، والولد لا يكون ولدا إلا إذا لحق ... وهكذا.

وإذا تبين هذا فلا وجه لقول السائل: (استحالة الجمع بين المتناقضات محصورة فقط في حق الله جل وعلا، ومتاحة في حق المخلوقات)!! فبطلان هذا أظهر من إبرازه.

وإننا لنخشى أن يكون هذا التصور المغلوط، من أثر الوسوسة التي ذكرها السائل عن نفسه في سؤال له سابق.

وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي له أن يعرض بالكلية عن التفكير في هذا الأمر، ويكف نفسه عن متابعته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني