السؤال
لطالما كان موقعكم من المواقع التي لها أثر في قلبي طيلة سنوات، وكم أتمنى لكم المزيد من التقدم، والنجاح. ولديّ سؤال من جزأين: جزء شرعي، وجزء استشاري.
سؤالي هو: أنا شاب لست متزوجًا، أعجبت بفتاة، وتعرفت إليها، وبعد قرابة السبعة أشهر من المعرفة اكتشفت أنها غير مناسبة لي من حيث الطبع، وبعض الأمور، فحاولت الخروج من هذه العلاقة، وأنا أعلم أنها متعلقة بي، وقد يؤذيها هذا الشيء، ولكني اضطررت لذلك، وما أحزنني أنها كتبت إليَّ كلمات أثّرت فيَّ كثيرًا، ومنها قولها: "حسبي الله ونعم الوكيل فيك، وفي أهلك"، ومثل هذه الكلمات، وهذا ما جعلني أقوم بتأنيب نفسي على ما حصل، وسألت الله المغفرة، والرحمة.
شاء الله بعد فراقنا بقرابة الشهرين أن صديقة العائلة أحضرت لي فتاة، وكانت ذات مواصفات، وذات خلق حسن، وصليت صلاة الاستخارة، وأكملت معها بعلم أهلي وأهلها، وطبعها يتأقلم مع طبعي، وبعد معرفتنا بشهر أو شهرين حدثت أشياء، لا أعلم هل هي أقدار أم إن هذه الفتاة شؤم علينا:
أولها: والدي يتمتع بصحة جيدة جدًّا، ولا يوجد به أي مرض من الأمراض المنتشرة، وفجأة حصلت له جلطة في القلب، واضطرّ لعمل عملية قلب مفتوح.
ثانيًا: أختي كبيرة في السن سقطت في الطريق مرتين في فترات متفاوتة، وفي الأخيرة انكسرت يدها.
ثالثًا: على الصعيد الشخصي: أنا لديّ تجارة، وكنت أسير وفق خطة معينة، فتغير كل شيء.
وكل ما نود أن نقوم بخطوة من خطبة، أو ما شابه تحدث وفاة، أو ما شابه، وغير هذا من الأمور التي لا تحضرني الآن، والتي حدثت بشكل غريب، أو نادر الحصول في عائلتنا، والتي تجعلني في ريبة من أمر هذه الفتاة، فهل في الشرع شيء يدل على شؤم الزوجة أو الفتاة، فقد سمعت بوجود حديث نبوي بذلك، وهل يمكن شرحه؟ وهل ينطبق على حالتي أم لا؟ وهل الفتاة السابقة هي السبب في ما حصل لي؟ وما نصيحتكم لي، وإرشاداتكم بشأن هذا الموضوع؟ وهل أستمرّ مع الفتاة، أم ماذا أفعل؟ مع العلم أني نفسيًّا أشعر بالراحة معها، وماذا عليّ أن أفعل مع الفتاة السابقة؛ لأتوب مما اقترفت؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فننبه أولًا إلى أنّ ما يحصل من التعارف بين الشباب والفتيات، وما يعرف بعلاقات الحب بينهما، باب شر وفساد، وانظر الفتوى: 355906.
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تقف عند حدود الشرع في التعامل مع الأجنبيات، فالخاطب أجنبي من المخطوبة ما دام لم يعقد عليها العقد الشرعي، شأنه معها شأن الرجال الأجانب، لا يكلمها لغير حاجة، وراجع الفتوى: 57291.
وأمّا المصائب التي حصلت لك، أو لأبيك، أو لأختك؛ فهي -بلا شك- بقدر الله تعالى، وليس في الكون شيء يحصل بغير قدر الله.
وغير صحيح أنّ هذه المصائب حصلت بشؤم الفتاة التي تريد زواجها.
والحديث الذي ورد فيه نسبة الشؤم إلى المرأة: ما رواه البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس، والمرأة، والدار. وفيه أيضًا عن ابن عمر، قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان الشؤم في شيء، ففي الدار، والمرأة، والفرس.
وقد اختلف أهل العلم في المراد بالشؤم المذكور في هذه الأحاديث على أقوال متعددة، ومن أرجحها عندنا ما اختاره الطبري، والطحاوي: أنّ المقصود نفي الشؤم عن هذه الثلاث، وليس إثباته، قال الطبري -رحمه الله- في تهذيب: أَمَّا قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ، فَفِي الدَّارِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ»، فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِذَلِكَ صِحَّةَ الطِّيَرَةِ، بَلْ إِنَّمَا أَخْبَرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ، فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ، وَذَلِكَ إِلَى النَّفْيِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَحَدٌ، فَزَيْدٌ، غَيْرُ إِثْبَاتٍ مِنْهُ أَنَّ فِيهَا زَيْدًا، بَلْ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا زَيْدٌ، أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْإِثْبَاتِ أَنَّ فِيهَا زَيْدًا. انتهى.
وعليه؛ فالذي ننصحك به ألا تترك الفتاة التي تراها مناسبة لك، وتشعر بالراحة معها، لكن عليك أن تراعي ضوابط الشرع في التعامل معها.
وبخصوص الفتاة السابقة، فلا يلزمك شيء غير التوبة.
والله أعلم.