الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما إجابة السؤال الأول: فهناك كتب كثيرة تكلمت عن التوبة وفضلها وشروطها وأحكامها، ومنها:
1. كتاب التوبة من ربع المنجيات من كتاب: (إحياء علوم الدين) لحجة الإسلام الغزالي.
2. منزلة التوبة من كتاب: (مدارج السالكين) للعلامة ابن القيم.
3. فصول متعددة في التوبة وأحكامها ضمن كتاب: (الآداب الشرعية) للعلامة ابن مفلح المقدسي.
4. ومن أوسع الكتب العصرية وأجمعها كتاب: (موسوعة المسلم في التوبة والترقي في مدارج الإيمان) في مجلدين، للدكتور منير حميد البياتي، وقد وزعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر.
أما بالنسبة للسؤال الثاني: فاعلم أن التوبة النصوح، وهي التي استوفت شروطها، هي التي يبدل الله عندها السيئات حسنات، وانظر معنى تبديل السيئات حسنات في الفتوى: 34955.
هذا، وإن تبديل السيئات حسنات يشمل الكافر إذا أسلم، ويشمل كذلك المسلم العاصي إذا تاب، قال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ... إلى قوله: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ {الفرقان: 68-70}.
قال الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): إنما التبديل في حق من ندم على سيئاته، وجعلها نصب عينيه، فكلما ذكرها، ازداد خوفًا ووجلًا وحياء من الله، ومسارعة إلى الأعمال الصالحة المكفرة؛ كما قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا. وما ذكرناه كله داخل في العمل الصالح.
ومن كانت هذه حاله، فإنه يتجرع من مرارة الندم والأسف على ذنوبه أضعاف ما ذاق من حلاوتها عند فعلها، ويصير كل ذنب من ذنوبه سببًا لأعمال صالحة ماحية له، فلا يستنكر بعد هذا تبديل هذه الذنوب حسنات، وقد وردت أحاديث صحيحة صريحة في أن الكافر إذا أسلم وحسن إسلامه، تبدلت سيئاته في الشرك حسنات، فخرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبي فروة شطب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلًا عمل الذنوب كلها، ولم يترك حاجة ولا داجة، فهل له من توبة؟ فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: فافعل الخيرات، واترك السيئات، فيجعلها الله لك خيرات كلها. قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: نعم. قال: فما زال يكبر حتى توارى. انتهى.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولًا الجنة وآخر أهل النار خروجًا منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب، قد عملت أشياء لا أراها ها هنا، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم بعد ذكر حديث مسلم السابق: فإذا بدلت السيئات بالحسنات في حق من عوقب على ذنوبه بالنار، ففي حق من محيت سيئاته بالإسلام، والتوبة النصوح أولى؛ لأن محوها بذلك أحب إلى الله من محوها بالعقاب. انتهى، وللفائدة انظر الفتاوى: 23150، 35971، 16907، 34143، 16989.
ومن خلال ما سبق ذكره؛ فلا تعارض بين الآية والحديث؛ لأن الحديث يساق مساق زيادة فضل الله وكرمه في حق من عوقب على ذنوبه بالنار ومع ذلك بدلت سيئاته حسناته؛ فإذا كان ذلك كذلك، فأولى وأحرى بالتائب في الدنيا من ذنوبه أن يبدل الله تعالى سيئاته حسنات بفضله، ورحمته.
وهذا يدعوك -أخي الكريم- إلى الاستمرار فيما أنت فيه من قضاء الصلوات التي فاتتك، واستدراك ما فاتك مما وجب عليك، والإكثار من النوافل والطاعات؛ حتى تشملك سعة رحمة الله، وليس أن تصاب بالقنوط من رحمة الله تعالى؛ فإن من تمام إحسان الظن بالله إحسان العمل، ومنه التوبة، والاستمرار في طريقها واستكماله.
والله أعلم.