الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دخول تارك الصلاة في حديث رسول الله: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا...

السؤال

هل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه" ينطبق على الذي لا يصلي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:

فترك الصلاة جحودًا لوجوبها، كفرٌ أكبرُ مخرجٌ من الملة، بالإجماع.

وأما تركها كسلًا مع الإقرار بوجوبها؛ فهو من أكبر الذنوب، وأعظم الكبائر، وأقبحها.

وقد قال جمع من أهل العلم: إنه كفر أكبر. والجمهور على أنه كفر دون كفر، لا يخرج من الملة.

وعلى كل؛ فتارك الصلاة ليس مستحقًّا لهذا الموعود؛ إذ إنه لم يحقق شرطه، وقد أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: ودل قوله صلى الله عليه وسلم: (فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) على أن الزور يحبط أجر الصائم. انتهى.

فتارك الصلاة لم يدع قول الزور، والعمل به، بل هو مرتكب لأعظم الزور.

وإذا كان شراح الحديث قد عدوا من الاحتساب أن يجتنب الغيبة، والكذب، ونحو ذلك مما ينافي كمال الصوم، فكيف بترك الصلاة الذي هو من أكبر الكبائر!

قال القاري في المرقاة في شرح هذا الحديث ما عبارته: إِيمَانًا" نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، أَيْ: لِلْإِيمَانِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاعْتِقَادُ بِفَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ. قَالَهُ الطِّيبِيُّ. وَقِيلَ: تَصْدِيقًا لِثَوَابِهِ، وَقِيلَ: نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُصَدِّقًا لَهُ، أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ: صَوْمَ إِيمَانٍ، أَوْ صَوْمَ مُؤْمِنٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: "وَاحْتِسَابًا" أَيْ: طَلَبًا لِلثَّوَابِ مِنْهُ تَعَالَى، أَوْ إِخْلَاصًا، أَيْ: بَاعِثُهُ عَلَى الصَّوْمِ مَا ذُكِرَ، لَا الْخَوْفُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُمْ، وَلَا قَصْدُ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ عَنْهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى احْتِسَابًا: اعْتِدَادُهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمَأْمُورِيَّةِ مِنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ، وَعَنِ النَّهْيِ عَنْهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهِ، طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِهِ، غَيْرَ كَارِهَةٍ لَهُ، وَلَا مُسْتَثْقِلَةٍ لِصِيَامِهِ، وَلَا مُسْتَطِيلَةٍ لِأَيَّامِهِ، "غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. انتهى.

فهذا ما يظهر من كون تارك الصلاة ليس داخلًا في هذا الوعد المطلق بالمغفرة؛ لمنافاة ترك الصلاة كمال الإيمان والاحتساب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني