الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في قبض الراتب من الفائدة الربوية

السؤال

ما حكم العمل كمدرس في إحدى المدارس التي تودع أموالها في أحد البنوك الربوية كوديعة، ثم تقوم بإعطاء الرواتب للمدرسين من الفوائد الربوية لهذه الوديعة.
وهل لي أن أتأكد قبل عملي في المدرسة، من حقيقة هذا الأمر قبل العمل أم لا؟
وإذا كان هذا هو حال أغلب المدارس في بلدي هذا. فماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبداية ننبه على أن حكم معاملة صاحب المال الحرام، فيه تفصيل، وخلاف بين أهل العلم، راجعه في الفتويين: 11095، 6880.

كما اختلف أهل العلم في المال المقبوض بعقد فاسد -كالربا- هل يفيد الملك أم لا؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: القبض الذي لا يفيد الملك هو الظلم المحض، فأما المقبوض بعقد فاسد كالربا والميسر ونحوهما، فهل يفيد الملك؟ على ثلاثة أقوال للفقهاء:

أحدها: أنه يفيد الملك، وهو مذهب أبي حنيفة.

والثاني: لا يفيده، وهو مذهب الشافعي، وأحمد في المعروف من مذهبه.
والثالث: أنه إن فات أفاد الملك، وإن أمكن رده إلى مالكه ولم يتغير في وصف ولا سعر، لم يفد الملك. وهو المحكي عن مذهب مالك. اهـ.

وأمر آخر هو محل خلاف ونظر، وهو مسألة النقود، هل تتعين بالتعيين أم لا؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وللعلماء قولان في الدراهم، هل تتعين بالتعيين. اهـ.

وعلى ذلك، فمن رأى (كالحنفية) أن القبض بعقد ربوي يفيد الملك، وأن النقود لا تتعين بالتعيين، فإنه لا يحكم بحرمة قبض الراتب من الفائدة الربوية للوديعة المذكورة. ويكون الإثم على صاحب الوديعة، وأما المدرس فعمله مباح في ذاته، وبالتالي يكون راتبه أيضا مباحا. وانظر الفتوى: 56047.

ومن رأى أن القبض بعقد ربوي لا يفيد الملك، وأن النقود تتعين بالتعيين، فإنه يحكم بحرمة قبض هذا الراتب؛ لأنه حصل من عين المال الحرام، كما سبق أن أفتينا به في الفتويين: 71016، 43861.

وإذا كان هذا هو حال أغلب المدارس -كما ذكر السائل- فلا حرج في الأخذ بالقول الأول، بناء على أن تغير اليد يتغير معه الحكم، كما يدل على ذلك أن بريرة أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحما تُصدِّق به عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: هو لها صدقة، ولنا هدية. رواه البخاري ومسلم.

قال ابن حجر في (فتح الباري): يؤخذ منه أن التحريم إنما هو على الصفة، لا على العين. اهـ.
وقال ابن نجيم في (البحر الرائق): تبدل الملك، كتبدل العين، فصار كعين أخرى، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حق بريرة: هي لها صدقة، ولنا هدية. اهـ.
وقد عقد عبد الرزاق في مصنفه بابا عن (طعام الأمراء وأكل الربا) أسند فيه عن ابن مسعود أنه جاءه رجل فقال: إن لي جارا يأكل الربا، وإنه لا يزال يدعوني؟ فقال: «مهنؤه لك، وإثمه عليه».

وقال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة البقرة: الخبيث لكسبه مثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق الربا، أو عن طريق الكذب وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني