السؤال
أنا أمّ لطفلين صغيرين، وحامل الآن في أشهري الأولى، ولا أجد في نفسي المقدرة على فعل أي شيء اعتدته قبل الحمل، فقد كنت قبله أبدأ يومي بالقرآن، ولي دروس شرعية أدرّسها للأخوات، وبرنامج يومي لتعلّم العلوم الشرعية من منزلي.
وأنا -والحمد لله- حافظة لكتاب الله، وطالبة علم مجتهدة، لكن بسبب الوحم والتعب الشديد أجد نفسي بالكاد أحافظ على أذكار الصباح والمساء، والنوافل قلّت، ولا أجد في نفسي الطاقة والرغبة في فعل أي شيء غير الاستلقاء، ونفسيتي سيئة أغلب الوقت، وأحس بذنب شديد، وتقصير في حق الله، مع أن الوقت موجود، ولديّ خادمة، وأخاف أن يكون الله تعالى غير راض عني؛ لذا أغلق عني باب الطاعات، فهل عليّ ذنب في هذا التقصير؟ أرجو الدعاء لي بتيسير أمري، وانشراح صدري -جزاكم الله خيرًا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن ييسر أمرك، ثم اعلمي أنه لا إثم عليك في ترك تلك المستحبات؛ فإن العبد إذا ما قام بالواجبات؛ فقد فعل ما يلزمه.
وأما تلك النوافل والسنن، فلا إثم في تركها، وإن كانت من أعظم السبل للتقرّب إلى الله تعالى، وهي طريق نيل محبوبيته تعالى، كما في الحديث القدسي الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ولفظه: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.
فمجاهدتك نفسك لفعل هذه النوافل التي اعتدتها أمر حسن جميل، وكلما عظمت المشقة، زاد الأجر؛ فالله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.
وأما إذا كان المانع لك من الاستمرار على تلك النوافل هو المرض؛ فإن أجرها يكتب لك كما لو كنت صحيحة، رحمة من الله، وفضلًا، كما في الصحيح من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مرض العبد، أو سافر؛ كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا.
فأبشري بفضل الله، وأمّلي في واسع جوده وبرّه، وافعلي ما تقدرين عليه.
وما عجزت عنه مما كنت مواظبة عليه في حال الصحة، فأجره مكتوب لك -إن شاء الله-.
والله أعلم.