الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من فضّل ولده الكبير على باقي أولاده بالإنفاق على دراسته وخطوبته

السؤال

لديَّ سؤال عن حكم النفقة الجامعية على الأولاد، وحكم نفقة الزواج على الأب، ومقدارها تقريبا.
لديَّ أخ كبير، أنهى المرحلة الثانوية، وتعذر عليه الدخول للجامعة العامة في فرع عال، واضطر والدي لإرساله لجامعة خاصة باهظة التكاليف بعد ضغط عليه، فأرسله، وصرف عليه أكثر من 350 ألف ريال، وبعدها وقبل إنهائه للدراسة بفترة وجيزة تطرق والدي إلى موضوع تزويجه، وصرف عليه ما يقارب 50 ألف ريال، مصاريف خطبة فقط، وبعدها، وبعد انتهاء أخي من الدراسة اضطر والدي لإرساله خارج البلاد لتوقيع عقد عمل له في وظيفة محترمة، وصرف عليه تكاليف أخرى.
وبعد سنين تدهورت حالة والدي المادية كثيرا، وتوقفت تجارته تقريبا، ولم يعد يستطيع إلا تأمين نفقات الأسرة فقط، وحتى نفقتي وإخوتي ممن هم في سن الزواج، أو الجامعة عجز عنها، والدي لديه أملاك لا يريد أن يفرط فيها، فيذهب ذلك أيضا هباء، وأخي الكبير تحسنت أحواله المادية كثيرا، وتزوج.
بينما أنا وبقية إخوتي عدا الفتيات نضطر للعمل، وتأمين مصروف المنزل، ومساعدة الوالد، وتوقفت دراستنا، ومنا من بلغ قريب الثلاثين من العمر، وتأخر زواجه، ومنا من اضطر للعمل والدراسة معا وشقي، وأنا والحمد لله، وبعد عناء استطعت أن أحصل بفضل الله على عمل بمردود مقبول، يكفيني حاجتي، وحاجة نفقة المنزل؛ لكنني متأخر في الزواج والعمل و.. . والأخ الأكبر في مكانه، لا يحرك ساكنا، ووالدي لم يطالبه بشيء، ويصبر، ولا يغير شيئا.
فما حكم ما أخذه أخي من نفقات كبيرة تساوي أكثر من ثلث أملاك والدي؟ وهل عليه إعادتها للإرث والتركة؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنفقة الأولاد لا تجب على أبيهم إذا استغنوا بمال، أو كانوا قادرين على الكسب.

قال المرداوي –رحمه الله- في الإنصاف: القدرة على الكسب بالحرفة تمنع وجوب نفقته على أقاربه. انتهى.

وإذا وجبت نفقة الأولاد على أبيهم؛ فليس من النفقة الواجبة مصاريف الدراسة الجامعية، كما بيناه في الفتوى: 59707.

وأمّا إذا احتاجوا إلى الزواج؛ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الواجب على الأب تزويجهم إذا كان قادرا على ذلك.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وعلى الأبِ إعْفافُ ابْنِه إذا كانت عليه نَفَقَتُه، وكان مُحْتاجًا إلى الإعْفافِ. ذكَرَه أصْحابُنا. وهو قولُ بعْضِ أصْحابِ الشافعي. وقال بعْضُهم: لا يجبُ ذلك. ولَنا، أنَّه مِن عَمُودَيْ نَسَبِه، وتَلْزَمُه نَفَقَتُه، فيَلْزَمُه إعْفافُه عندَ حاجَتِه إليه، كأبِيه. انتهى.

والراجح عندنا وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات والعطايا، ما لم يكن لبعضهم حاجة تقتضي تفضيله، وراجع الفتوى: 6242.

فإن كان أبوك قد فضّل ولده الكبير على سائر إخوته بالإنفاق على دراسته، وخطوبته على الوجه المذكور، بغير رضاهم؛ فالمفتى به عندنا أنّه فعل محرما، وعليه أن يتوب، ويسوّي بين أولاده، وليس على أخيك الأكبر رد ما أنفقه عليه أبوه، لأنّ الرجوع في الهبة يكون في حال بقائها عند الولد، أمّا إذا كانت قد خرجت عن ملكه؛ فعلى الأب أن يسوّي بين أولاده بأن يعطي سائرهم مثل ما فضل به بعضهم.

جاء في غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى: وَحَلَّ تَفضِيلٌ بِإِذْنِ بَاقٍ، وَإِلَّا أَثِمَ وَرَجَعَ إنْ جَازَ أَوْ أَعْطَى حَتَّى يَسْتَوُوا، فَلَوْ زَوَّجَ أَحَدَ ابْنَيهِ بِصَدَاقٍ مِنْ عِنْدِهِ وَجَبَ عَلَيهِ إعْطَاءُ الآخَرِ مِثلَهُ. انتهى.
قال الرحيباني في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: وَلَا طَرِيقَ لَهَا (التسوية) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا بِعَطِيَّةِ الْآخَرِ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ هُنَاكَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ. انتهى.

وعليه؛ فالواجب على أبيكم -إذا كان قادرا- أن يعطي بقية أولاده مثل ما أنفق على الولد الكبير زائدا عن الحاجة، إلا إذا رضي جميع الأولاد بما وقع من التفضيل، فلا حرج عليه حينئذ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني