السؤال
أنا شاب عمري 20 سنة، وعاطل منذ سنتين لأسباب مَرَضية، وعندي مشاكل كثيرة في البيت، وحدثت مشاكل دنيوية بين أبي وبين شيخي الذي علّمني من صغري المربّي لي، وأنا أرى أن أبي هو الظالم له، وأصدر أبي قرارًا بعدم ذهاب أحد منا -أنا وإخوتي- إلى الشيخ، وعدم التحدث معه مرة أخرى، فرفضت، وشرحت له أن هذا لا يجوز شرعًا -على حسب علمي-، ونصحت له، فزعم أني أفضّل الشيخ عليه، وعلى أمّي، وظلّ يضغط عليَّ كثيرًا، وحدث بيننا خلافات كثيرة، وبدأت بالتقليل من ذهابي إلى الشيخ، ولكن هذا الأمر يؤثر عليَّ نفسيًّا ودينيًّا، لأني لا أعلم صديقًا، ولا أحدًا يعين على الطاعة غيره، وغير الإخوة الذين هم حوله.
وأمي كثيرة الغضب جدًّا، وتغضب عليَّ في أغلب الأوقات بغير سبب، فأسكت ولا أجيب، وأعتذر مع أنّ الحق لي وهي التي سبَّتْني من غير حق، ولكني أقول في نفسي: أنا المخطئ، وأصبِّر نفسي، ولكني وصلت إلى مرحلة صعبة، فأنا لا أشعر إلا بسوء تجاهي، وإن كان غير متعمّد، وتكراره يؤلم قلبي جدًّا، فإذا تركت البيت، وبحثت عن مكان آخر، حتى أجد عملًا، فهل أكون عاقًّا، أو عليَّ إثم؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فطاعة الوالدين واجبة في المعروف، وبرّهما من أعظم القربات، وعقوقهما من أقبح السيئات، وهذا مما لا يخفى على مسلم، لكن إذا كان هذا الشيخ لا يُنقَم عليه شيء في دِينه، ولا في علمه، ولا يدلّ إلا على السُّنَّة، فلا يحق لأبيك أن يمنعك من الاستفادة من علمه، وأدبه، وتربيته؛ لمجرد كونه مخاصمًا له.
وإذا منعك من الذهاب إليه، وأنت في حاجة إلى علم، أو أدب عنده، لا تجده عند غيره، فلا تجب عليك طاعته في ذلك؛ فطاعة الوالدين لها قيود وضوابط، بيناها في الفتوى: 76303.
فإن ذهبت لهذا الشيخ، أو تواصلت معه في هذه الحالة، فأَخْفِ ذلك عن والديك ما أمكن، واجتهد في كسب رضاهما، وبرّهما، والإحسان إليهما، والتلطّف لهما؛ عسى الله أن يشرح صدورهما لما فيه الخير.
وأما مسألة السكنى خارج البيت، فلا ننصحك بها في هذه الظروف؛ لأنها ستزيد الفجوة بينك وبين والديك، وربما تؤذيهما بها نفسيًّا إيذاء يجعلها من العقوق، إن لم تَدْعُ لها ضرورة، أو حاجة معتبرة شرعًا.
ومما يمكن أن يزيل الإشكال من أصله أن تجتهد في سبيل الإصلاح بين أبيك وبين هذا الشيخ؛ فالإصلاح بين المتخاصمين من أفضل القربات، كما بينا في الفتوى: 50300، ويمكنك أن تستعين في ذلك ببعض أهل الخير.
وقد أحسنت بصبرك على أمّك، رغم غضبها عليك، وسبِّها لك بغير وجه حق، ويجب عليك مع ذلك برّها؛ فمن حق الوالد الإحسان إليه، وإن أساء، كما بيناه في الفتوى: 370030.
والله أعلم.