السؤال
كيف أتقبل أخي بعد موت أبي؟ (أخي التوأم). أنا وأخي أكبر أبناء أبي، كان أبي صديقي، وحبيبي، ومصدر ثقتي، شاء الله وتوفي، أنا أقرب شخص لأبي، كان يحبني كثيرا كثيرا، ويدللني كثيرا، أصبت باكتئاب حادٍّ بعد موته، وإلى الآن لا أستوعب، ولكن لا أريد أن أخذل عائلتي، مشكلتي أني لا أتقبل أخي، ومن قبل وفاة أبي علاقتنا ليست وطيدة، ولا أعني أن هناك مشاكل، لا، أبدا، نحن عائلة متفاهمة، كنت أحبه أكثر من نفسي في صغري، وتنازلت عن أشياء كثيرة.
أخي لا يقف بجانبي أبدا، أنا عمري 21 عاما، صديقة أبي جدا، وأخي كان مشغولا في بناء مستقبله بعد وفاة أبي، استلم أشياء كثيرة، هو لا يقدرني، ولا يستوعب أني أنا وهو في نفس العمر، لست قادرة أن أتقبل أنه حَلَّ، أو يحاول أن يحِلَّ مكان أبي في الشؤون.
أمي وأخي لا يعطونني فرصة للإمساك بزمام بعض الأمور، والتعامل مع إخوتي. أخي يبعدني عنهم.
أحس بعدم الأمان بعد أبي، وعدم التقدير، وخائفة من كل شيء، وثقتي في نفسي تدمرت، وأحس بالوحدة، لا أعرف ماذا أفعل؟ ليس هناك ما أعيش لأجله بعد أبي، ولست قادرة على التركيز في الدراسة (كليه الطب).
أحاول أن أعوض إخوتي الصغار، وأكون مسؤولة مع أمي، كما كنت طيلة عمري. كل شيء تغير بعد أبي، كل شيء وعدت أبي أننا سنكون مصدر فخر له دنيا وآخرة، ولكن إخوتي يبتعدون عني، ولا يكترثون لأمري، وأحاول أنا أن أقربهم إلى الله؛ لكي يدعوا لأبي؛ لكي نكون جميعنا الولد الصالح الذي يدعو له.
أحس أني "نكرة " بعد أبي، أبكي كثيرا، أبي عندما كان حيا، وكنت أبكي كان يقول لي: "دموعك تحرق قلبي يا بنتي". لا أريد أن أحرق قلبه. ماذا أفعل، وحياتي فارغة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يحسن عزاءك في وفاة والدك، وأن يغفر له، ويرحمه، ويرفع درجاته في الفردوس الأعلى.
ونوصيك أولا بالصبر، فالصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وعاقبة الصبر خير، وقد ذكرنا جملة من فضائله في الفتوى: 18103.
ثانيا: عليك بالاستعانة بالله تعالى في جميع أمورك، وتوجهي إليه بالتضرع والدعاء، فإنه سميع قريب مجيب، فهو القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}. وراجعي الفتوى: 119608.
ثالثا: لا ينبغي أن تستشعري الضعف والحاجة لأحد من الخلق، فإن كان والدك قد فارقك ومات، فالله -عز وجل- حي لا يموت، وإن خذلك الخلق، فالله معك، وإن فقدت حنان الأبوة، فالرب -تبارك وتعالى- هو الودود اللطيف الرحيم. واستشعار مثل هذه المعاني العظيمة يكسب نفسك الثقة، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:3}.
رابعا: أكثري من ذكر الله سبحانه، فبالذكر تطمئن النفس، ويهدأ الضمير، ويسلم التفكير، قال الله سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}. وبالذكر تغلقين الباب على الشيطان وعلى نفسك من الاسترسال في أي تفكير سلبي، وهو من أفضل العلاج لداء الاكتئاب.
خامسا: حاوري أمك وإخوتك في هذه الأمور المهمة المتعلقة بالأسرة، والتي تحبين أن يكون الجميع عليها، ويمكنك الاستعانة بمن تثقين بهم من الأقارب ممن يحبون الخير لكم، ومن ترجين أن يكون قولهم مقبولا. هذا مع ما ذكرنا سابقا من أمر الدعاء.
سادسا: تقبلك لأخيك أمر ممكن، فهو توأمك، فالمرجو أن يتفهم حالك، وما تحبين، فليكن منك حوار خاص معه، واجتهاد أكثر تجاهه، واستعانة بالمقربين إليه عند الحاجة لذلك.
سابعا: اجتهدي في شغل نفسك ووقتك بما ينفع من خير الدنيا والآخرة، ومن ذلك أمر دراستك في الطب، فقد تكون خير معين لك في تجاوز أي محنة تمر عليك الآن، أو في مستقبلك.
هذه بعض التوجيهات التي تيسر لنا ذكرها لك هنا، وإن كنت في حاجة للمزيد من التوجيهات، فيمكنك الكتابة لقسم الاستشارات في موقعنا على هذا العنوان:
https://islamweb.net/ar/consult/
والله أعلم.