الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه

السؤال

أعيش في مجتمع لا يتأدب مع الله، ويقول عبارات ليس فيها تأدب مع الله، بل ورأيت عالما يقول إنها تدخل بالملل بالله. وأنا كنت أقولها، لكنني تبت منها من باب الحيطة، عندما رأيت هذا العالم.
مع العلم أني مريض بالوسواس، ومثل هذه العبارات يشيرون إلى الأقلام: اترك ربها مع القلم. وهم لا يقصدون الله، لكن فيها نوع من عدم التأدب مع الله.
وأصبحت الآن عندما أسمعها من الأصدقاء أنكر عليهم، لكنني عندما بحثت كثيرا، اعتقدت أنها ليست كفرا، فمثلا: عندما أكون مع أصدقائي أنكر عليهم مرات، ومرات أخرى أقول: ربما الفتوى الثانية صحيحة، ليست بكفر. فهل عليَّ إثم؟ وهل عليَّ أن آخذ بالفتوى الأولى فقط التي أخذتها على سبيل الحيطة؟ أم عليَّ أن آخذ بالثانية؟
وهل وقعت في الكفر بفعلتي هذه؟ وقد سمعت شيخا يقول: من أفتى عالما في أمر، وعالما في أمر آخر، وعالما في أمر آخر، فقد تزندق.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالتأدب مع الله تعالى أمر مطلوب بلا ريب، ولكن ليس كل ما يخدش ذلك يكون كفرا، فبعضه مكروه، وبعضه محرم، ولكنه ليس بكفر، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن لفظ الرب يطلق على الله تعالى، وعلى غيره، وبالتالي فعبارة (اترك رب الأقلام) ينبغي أن تفهم في سياقها، أو بحسب ما يفسرها به صاحبها، وراجع في ذلك الفتويين: 130421، 423475.

وعلى أية حال، فالأصل في المسلم أن يستصحب حكم إسلامه، فقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، فإنه لا يزول بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان.

ثم الشخص المعين إن تلفظ بما فيه كفر، فإنه لا يحكم بكفره إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، وقد سبق لنا بيان ذلك، وبيان ضوابط التكفير، وخطر الكلام فيه، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وذلك في الفتاوى: 721، 53835، 65312.

وأما بخصوص تردد السائل في العمل بفتويين مختلفتين سمعهما، فلا حرج عليه في ذلك، ما دام الأمر لم يتضح له، ولم يتعمد مخالفة نصوص الشرع، وليس هذا من تتبع الرخص المذموم، فإن ذلك إنما يذم إذا كان ديدنا وعادة للشخص.

وأما من أخذ بالأيسر في المسألة بعد المسألة؛ مراعاة لحاله وحاجته، فلا حرج عليه -إن شاء الله-. وراجع في ذلك الفتوى: 134759.

ولذلك يشرع للموسوس الأخذ بأيسر الأقوال وأرفقها، وراجع في ذلك الفتوى: 181305.

وبهذا يتبين أنه ليس في ما ذكره السائل عن نفسه ما يستدعي سؤاله-: (هل وقعت في الكفر)؟

وأما بخصوص الزندقة التي أشار إليها السائل في آخر سؤاله، فليست في سؤال علماء متعددين في المسائل المختلفة، فإنه لا يلزم المقلد أن يسأل أعلم الناس وإن عرفه، بل يكفيه أن يسأل عالما مؤهلا للفتوى. وراجع في ذلك الفتويين: 169143، 169801.

وإنما ذكر العلماء الزندقة في تتبع زلات العلماء، ورخص الفقهاء، وليست في سؤال أكثر من عالم. وانظر الفتويين: 180063، 170931.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني