الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يشترط لوجوب الزكاة لمن ملك النصاب أن يكون فاضلا عن حاجاته طيلة السنة؟

السؤال

هل يشترط في المال إذا بلغ نصابًا أن يكون هذا النصاب فاضلًا عن قوته، وقوت عياله طيلة السنة، وعن ملبس، ومسكن، ثم يزكّي الباقي، ومثل ذلك في زكاة الزروع والثمار؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن من ملك نصابًا من أي مال كان، وجبت عليه الزكاة -مع اشتراط حلول الحول بالنسبة للنقدين، والماشية-، ولا يشترط في وجوبها أن يكون هذا النصاب فاضلًا عن قوته، وقوت عياله طيلة السنة، قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: (أو) كان (له مواشٍ تبلغ نصابًا، أو) له (زرع يبلغ خمسة أوسق، لا يقوم) ذلك (بجميع كفايته، جاز له أخذ الزكاة) ولا يمنع ذلك وجوبها عليه. اهـ

وفي الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، وهو شافعي: وقد يملك نصابًا، ولا يفي دخله لحوائجه؛ فتلزمه الزكاة، وله أخذها. اهـ.

والذي يفهم من كلام الحنفية أنه يشترط في وجوب الزكاة أن يكون النصاب فاضلًا عن الحاجات الضرورية طيلة السنة، قال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع متحدثًا عن شروط الزكاة: ومنها: كون المال فاضلًا عن الحاجة الأصلية؛ لأن به يتحقق الغنى، ومعنى النعمة، وهو التنعم، وبه يحصل الأداء عن طيب النفس؛ إذ المال المحتاج إليه حاجة أصلية، لا يكون صاحبه غنيًّا عنه، ولا يكون نعمة؛ إذ التنعم لا يحصل بالقدر المحتاج إليه حاجة أصلية؛ لأنه من ضرورات حاجة البقاء، وقوام البدن؛ فكان شكره شكر نعمة البدن.

ولا يحصل الأداء عن طيب نفس؛ فلا يقع الأداء بالجهة المأمور بها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم»؛ فلا تقع زكاة. اهـ.

وقال ابن عابدين في رد المحتار: (قوله: وفسره ابن ملك) أي: فسر المشغول بالحاجة الأصلية، والأولى: فسرها، وذلك حيث قال: وهي ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقًا -كالنفقة، ودور السكنى، وآلات الحرب، والثياب المحتاج إليها لدفع الحر أو البرد-، أو تقديرًا -كالدَّين؛ فإن المديون محتاج إلى قضائه بما في يده من النصاب؛ دفعًا عن نفسه الحبس الذي هو كالهلاك، وكآلات الحرفة، وأثاث المنزل، ودواب الركوب، وكتب العلم لأهلها؛ فإن الجهل عندهم كالهلاك-، فإذا كان له دراهم مستحقة بصرفها إلى تلك الحوائج، صارت كالمعدومة، كما أن الماء المستحق بصرفه إلى العطش، كان كالمعدوم، وجاز عنده التيمم. اهـ.

والتقييد بالحوائج الأصلية احترازًا عن أثمانها، فإذا كان معه دراهم أمسكها بنية صرفها إلى حاجته الأصلية، لا تجب الزكاة فيها إذا حال الحول وهي عنده، لكن اعترضه في البحر بقوله: ويخالفه ما في المعراج في فصل زكاة العروض: أن الزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه -للنماء، أو للنفقة-، وكذا في البدائع في بحث النماء التقديري. اهـ.

فالأولى التوفيق بحمل ما في البدائع وغيرها، على ما إذا أمسكه لينفق منه كل ما يحتاجه، فحال الحول، وقد بقي معه منه نصاب؛ فإنه يزكي ذلك الباقي، وإن كان قصده الإنفاق منه أيضًا في المستقبل؛ لعدم استحقاق صرفه إلى حوائجه الأصلية وقت حولان الحول، بخلاف ما إذا حال الحول وهو مستحق الصرف إليها. اهـ باختصار.

لكن المذهب الأول هو الذي عليه أكثر أهل العلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني