الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرف على فتاة فاضلة عبر الإنترنت ووالده يرفض

السؤال

أرجو أن يتسع صدركم لقراءة سؤالي: أنا طبيب عمري 27 سنة، تعرفت على فتاة تدرس طب الأسنان منذ حوالي 3 سنوات عبر الأنترنت، حيث كانت تسأل عن بعض المستشفيات التي أعرف بها بعض المتربصين، وأنا أجيب، وأعجبت بطريقة كلامها، فقد كانت تنم عن عفة وأخلاق عالية، فأرسلت لها طلب صداقة ثم تعرفنا وأعجبتني طريقة تفكيرها، ثم بدأت أحبها إلى أن تعلقت بها تعلقا شديدا، وأصبح بيننا شعور طاهر متبادل، فقررت الزواج بها قبل حوالي سنة، فأخبرت والدتي بذلك فقالت لي اشتغل الآن بدراستك، وعندما يحين الوقت سنتحدث، والآن وأنا طبيب أخبرت والدي عنها وعن رغبتي في الزواج بها، قبل شهرين من الآن، فقال لي اذهب إلى عملك وعندما يحين الوقت سنتحدث ـ وأنا أعمل بعيدا عن المنزل شهرا بشهر ـ وعندما كنت في العمل اتصلت بأبي لأخبره بأن يتصل بأب الفتاة، ويخبره بأننا قادمون لخطبتها على سنة الله ورسوله، فاتصل به أبي و قال لي إنه قال له إنه يرحب بنا، وعندما رجعت إلى المنزل صدمت برفض أبي المطلق من زواجي بهذه الفتاة بحجة أنني تعرفت عليها عبر الأنترنت، وأن هذه الطريقة مخالفة لما تعارف عليه أهل بلدتنا، مع أنني أخبرته أنني لم ألتق بهذه الفتاة سوى ثلاث مرات وبدون خلوة، والشيء الوحيد الذي كان يجمعنا طيلة 3 سنوات هو الرسائل، فقال لي حتى الدردشة يمكن اعتبارها خلوة!!
وتحدثت إلى أعمامي وأبناء عمومتي وجدي لكي يقنعوه ولكنهم كلهم كانوا في صفه إلا جدي فقد قال إنه يجب علينا أن نسأل عن الفتاة وأهلها ونرى إذا كانوا ذوي خلق ودين ونقرر بناء على ذلك، ولكن أبي كان رافضا حتى لفكرة السؤال عنهم، و لكنني لم أيأس فذهبت لأسأل عنهم فلم أسمع عنهم إلا الخير، وعندما أخبرت أبي بذلك استشاط غضبا وزاد تعنتا ورفضا وقال لي أنت الآن في مفترق طرق إما أنا ورضائي أو هذه الفتاة، فهل من حق أبي أن يرفض هذه الفتاة بسبب أنني تعرفت عليها عبر الإنترنت؟ وهل هذا هذا سبب شرعي للرفض؟ مع أنني أرى أن هذه الفتاة ذات خلق ودين ولم يحصل بيننا أي شيء من المحذورات؟ وهل أعتبر عاقا لأبي إذا تزوجت هذه الفتاة دون موافقته على ذلك؟ وهل يعتبر أبي ظالما لي لرفضه زواجي من الفتاة التي أحبها؟ مع أنني أخبرته بحجم الضرر الذي سيلحق بي وبحياتي المستقبلية إن لم أتزوج هذه الفتاة ولكنه قال لي إنني واهم بتفكيري هذا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا أولا نشكرك على حرصك على الزواج وإعفاف نفسك، ونسأل المولى العلي القدير أن ييسر لك ذلك، ونوصيك بكثرة الدعاء، فربنا سبحانه سميع مجيب، وهو القائل في محكم كتابه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

وما كان ينبغي لأبيك أن يرفض زواجك من تلك الفتاة لمجرد كونك قد تعرفت عليها عبر الأنترنت، بل المعتبر الآن هو النظر في دينها وصلاحها، كما في الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.

وأفضل السبل لمعرفة حالها هو سؤال الثقات ممن يعرفونها، ولا يكفي ما قد يظهر من حالها من خلال الأنترنت؛ فقد يكثر التكلف وإظهار الأدب وحسن الخلق، وبعد الزواج ينكشف الأمر ويكون الفشل في الحياة الزوجية، وهذا مما يقع كثيرا، وقد يكون هذا ما يخشاه أبوك، فالتمس له العذر، وإذا تبين لك أنها ذات دين وخلق فلا بأس بالاستمرار في محاولة إقناع أبيك بموافقته على زواجك منها، والاستعانة عليه بما أسلفنا من الدعاء وتوسيط بعض الفضلاء من الناس، فإن اقتنع ـ فالحمد لله ـ وإن أصر على الرفض فالأصل أنه تجب عليك طاعته وترك الزواج منها؛ لأن طاعتك له فرض عليك، وزواجك منها ليس فرضا، وهذا ما لم تخش على نفسك ضررا بترك الزواج منها، وانظر الفتوى: 93194. ومنها يتبين لك متى تكون عاقا لأبيك ومتى لا تكون عاقا، وإن أمكنك أن تصبر وتؤثر طاعة والدك على هواك لتفوز ببره وتترك الزواج من هذه الفتاة التي أحببتها، فقد يعوضك الله بسبب ذلك من هي خير من هذه الفتاة، ويبارك لك في الزواج منها، ويرزقك منها ذرية طيبة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني