الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الصلاة قاعدًا مع الجماعة الأولى أفضل أم انتظار الجماعة الثاني للصلاة قائمًا؟

السؤال

إذا دخل وقت الصلاة وأنا في مكانٍ تستطيع مجموعة من الأفراد فيه أن يصلّوا وقوفًا في جماعة، والآخرون إذا صلّوا في نفس الجماعة لا يستطيعون الصلاة إلا قعودًا، فما العمل؟ وهل يصلّون مع الجماعة الأولى، مع تركهم ركن القيام في الفريضة، أم ينتظرون حتى تنتهي الجماعة الأولى، ويصلّون في جماعة ثانية؛ ليحققوا ركن القيام؟ ولو صلّوا وهم جلوس مع قدرتهم على الانتظار، ليصلّوا وهم قيام، والوقت فيه سعة، فهل صلاتهم باطلة أم صحيحة؟ وإذا دخل رجل مكانًا بعد الأذان، والجماعة تصلّي، ولا يوجد مكان لكي يصلّي قائمًا مع الجماعة، فصلّى قاعدًا، فما حكم صلاته، وهو يستطيع القيام، ولكن لا يوجد مكان؟ أرجو التوضيح بالأدلة -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالقيام مع القدرة في الصلاة، ركن من أركانها في الفريضة، ولا تصحّ بدونه، مع الاستطاعة عليه بلا عذرٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: صلّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا. رواه البخاري.

قال الحجاوي في الزاد: ولا تصحّ صلاته قاعدًا في السفينة، وهو قادرٌ على القيام. انتهى.

وعلّق عليه ابن قاسمٍ النجدي في حاشيته، فقال: لقدرته على ركن الصلاة، كمن بغير سفينةٍ، وتجوز إقامة الجماعة فيها، على الصحيح من المذهب. انتهى.

ولو اقتضت صلاة الجماعة ترك الاعتدال مع القدرة عليه حال الانفراد؛ فالأحبّ لدى بعض أهل العلم أن يصلّوا أفذاذًا، جاء في المدونة: قال مالك: إذا قدر على أن يصلّي في السفينة قائمًا، فلا يصلّي قاعدًا، وقيل لمالكٍ في القوم يكونون في السفينة، فهم يقدرون على أن يصلّوا جماعة تحت سقفها، ويحنون رؤوسهم، وإن خرجوا إلى صدرها صلوا أفذاذًا، ولا يحنون رءوسهم، أي ذلك أحب إليك؟ قال: أحبّ إليّ أن يصلوا أفذاذًا على صدرها، ولا يصلّوا جماعة، ويحنون رؤوسهم. انتهى.

ومشاركة الجماعة الأولى ليست بعذرٍ لترك القيام؛ إذ يستطيع المرء الصلاة مع الجماعة التالية، والإتيان بركن القيام معهم، فينتظرها من لم يستطع الدخول في الجماعة الأولى، والخلاف حصل في حال ما لم يكن له بديل عن هذه الجماعة، قال المرداوي في الإنصاف: لو قدر على الصلاة قائمًا منفردًا، وجالسًا في الجماعة؛ خير بينهما.. إلى قوله: تلزمه الصلاة قائمًا، قلت: وهو الصواب، لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به، مع القدرة عليه، وهذا قادر، والجماعة واجبة، تصحّ الصلاة بدونها. انتهى.

وعليه؛ فلا عذر للمرء هنا في ترك القيام في الصلاة، بل يؤخّرها ليصليها مع الجماعة الثانية قائمًا.

وتعدد الجماعة، ولو في المسجد الواحد، ذهب الحنابلة إلى عدم كراهته، ولو كان المسجد مسجد الحي، وله إمام راتب، وقالوا: إذا صلّى إمام الحيّ، وحضرت جماعة أخرى استحبّ لهم أن يصلوا جماعة، وهو قول ابن مسعودٍ، وعطاء، والحسن، والنخعي.. لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمسٍ وعشرين درجة. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني