الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجوز امتناع الزوجة عن الجماع للضرر البدني؟

السؤال

أنا سيدة متزوجة منذ 27 عاما، ولدي خمسة أبناء ذكور وإناث، أكبرهم في الجامعة. منذ كنت طفلة ذات تسع سنوات أصبت بالصرع، واضطررت لأدوية كثيرة، ولم أشف إلى الآن، ولله الحمد. لكن بسبب علاجاتي الكثيرة، وبسبب ابنتي الكبرى لأنها من ذوي الاحتياجات الخاصة أصبت بأمراض عظمية شديدة، وديسكات، وعملت عمليات خطرة، ولكن لا فائدة، وقال الأطباء: يجب عليك التعايش مع الألم؛ لأنك مصابة بهشاشة شديدة، وآخذ إبرًا سنوية.
الآن وبسبب أدوية الأعصاب توقف الحيض عندي مبكرا، وأنا ابنة 42 عاما، وأدى هذا إلى مرضي مرضا شديدا من اختناقات بسبب الشعور بالسخونة الشديدة، والنوبات الكهربائية بدأت تزداد، وأمراضي تزداد.
سؤالي لحضرتكم: أنا زوجة صالحة، لا أحب أن أغضب زوجي أبدا، وحاولت تحمل جميع وضعيات الجماع، ولكن ينتهي الجماع ببكائي من الألم من عظامي بسبب أن الهشاشة متركزة بمنطقة الحوض، ولم أستطع سابقا أن أصارح زوجي، ولكن مع شدة أمراضي اضطررت للطلب منه أن أقوم بطلب زوجة أخرى له، وأنا على استعداد أن أنفذ أي شروط يريدها، وأن يبقيني زوجته وعنده؛ لأني أحبه، وأقوم بالرجاء منه في كل مرة، وجعلت أحد أهله يتوسط ورفض، ولكنه يلح عليّ أن أقوم في الفراش بالجماع معه، وأنا لم يعد عندي قدرة.
وقد وصل وزني إلى 45 كيلو، وأنا طولي 170، وصرت نحيفة جدا، وعظامي بارزة جدا، حتى في النوم عظامي تؤلمني، لكن الجماع بكل الأوضاع التي سألت الطبيبات عنها لا أستطيع الحركة يومين من الألم بعدها، وصارحته، وهو يقول: يجب أن تتحملي، وهذا أخف الضررين. فهل إن رفضت الجماع يوما هل عليَّ إثم؟ أو إن أوقفته لأني لم أعد أستطيع؟ ووالله أنا موافقة على زواجه، وأنا سأقوم معه لأخطب له حتى أبعده عن الحرام، لكن إن رفضت الجماع، وغضب هل عليّ إثم ؟ مع أني دائما ألاطفه، وأجالسه، ولا أخرج من بيتي إلا معه هو وأولادي، وأفعل ما لا تفعله أي امرأة أخرى من ظروف الحياة والتعب، والحمد لله.
فما الحل برأيكم؟ إن بقي على رفض الزواج، والقول لن أنظر لغيرك، وأنا صدقا لم أعد أستطيع صحيا القيام بذلك، وخائفة من المشاكل العائلية. أرجوكم أعطوني حلا، وهل عليّ إثم إن رفضت؟ وأنا أعرض عليه الزواج من امرأة هو يختارها، وهو حالته المادية متوسطة إن عشنا سويًّا بمخافة الله -أنا وزوجته- نستطيع أن نكمل الحياة له على أكمل وجه، وإن استطاع ماديا فتح بيت لها؛ فهو خير أيضا. أنا راضية بأيّ حل لإرضائه، وعدم غضبه عليّ، ولكن فقط بعدم ألمي. هكذا والله كبرت، ولم أترك طِبًّا، ولا عمليات، ولا حلا إلا عملته.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل في الحياة الزوجية أن تقوم على المودة والرحمة بين الزوجين، كما قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}، وقد أحسنت فيما ذكرت من حرصك على اجتناب ما يغضب زوجك ومحبتك له.

والأصل أيضا أن تجيبي زوجك كلما دعاك للفراش، ولا يجوز لك الامتناع عن إجابته إلا لعذر شرعي، وسبق بيان بعض الأعذار التي تبيح للزوجة عدم إجابته، فيمكنك مطالعة الفتوى: 242884، وبينا فيها أن من مسوغات الامتناع تضرر الزوجة في بدنها. فإن كنت تتضررين ضررا حقيقيا من الجماع، فلا تأثمين بعدم إجابتك زوجك.

ونوصي بمواصلة التفاهم مع زوجك بالتقليل من الجماع، ونرجو أن تكون حالتك الصحية محل اعتبار عنده، ولا يكلفك ما لا تستطيعين. وينبغي أن تصطلحا على قدر مناسب تراعى فيه حال كل منكما.

قال المرداوي: قَالَ أَبُو حَفْصٍ، وَالْقَاضِي: إذَا زَادَ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ، صُولِحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ جَعَلَ لِرَجُلٍ أَرْبَعًا بِاللَّيْلِ، وَأَرْبَعًا بِالنَّهَارِ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ صَالَحَ رَجُلًا اسْتَعْدَى عَلَى امْرَأَةٍ عَلَى سِتَّةٍ، قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَقُدِّرَ، كَمَا أَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لَهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، فَيَرْجِعَانِ فِي التَّقْدِيرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فَإِنْ تَنَازَعَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ، كَالنَّفَقَةِ، وَكَوَطْئِهِ إذَا زَادَ. اهـ.
ولا بأس بالاستمرار في محاولة إقناعه بالزواج من أخرى، والاستعانة عليه بالله -عز وجل- أولًا، ثم بمن ترجين أن يكون قوله مقبولا عنده.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني