الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تأقيت العمرى بحياة الواهب أو الموهوب له

السؤال

هل تستوجب هبة حق الانتفاع في منزل، في حياة الواهب للموهوب له، إلى حد مماته، موافقة الورثة، وخصوصا أن من بينهم بعض القصر؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالهبة المذكورة إذا وقعت من جائز التصرف ــ وهو البالغ الرشيد ــ في غير مرض مخوف، فإنها لا يشترط لها موافقة الورثة، ولا غيرهم؛ لأنها هبة، والهبة لا يشترط لإمضائها من جائز التصرف، إلا قبول الموهوب له.
وأما إذا وقعت من غير جائز التصرف: كالصغير، والمجنون، فإنها لا تمضي، وكذا إذا وقعت من جائز التصرف، ولكن في مرض مخوف، فإن حكمها حكم الوصية، ينظر فيها هل وقعت لوارث؟ أم لغير وارث؟ وهل زادت عن الثلث أم لا؟
لكن يبقى النظر في الهبة المذكورة: هل ترجع للواهب؟ أم لا ترجع عند انتهاء الأجل المحدد؟ كما لم يتضح لنا إلى من يعود الضمير في قولك: إلى حد مماته ـ هل تقصد وقت ممات الواهب؟ أم تقصد ممات الموهوب له؟ لأن هذا له تأثير في الجواب، حيث إن الفقهاء مختلفون في الصورتين، فإن كنت تعني إلى ممات الموهوب له، فهذه عمرى جائزة عند الجمهور ــ الحنفية، والشافعية، والحنابلة ــ ويملك الموهوب له رقبة السكن، وليس المنفعة فقط، ولا ترد إلى الواهب أبدا، وعند المالكية هي تمليك منفعة، لا عينٍ، وتعود للواهب عند وفاة الموهوب له.

جاء في الموسوعة الفقهية: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعُمْرَى، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِهَا التَّأْقِيتَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ، وَأَحْمَدُ إِلَى جَوَازِ الْعُمْرَى لِلْمُعْمَرِ لَهُ حَال حَيَاتِهِ، وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَصُورَةُ الْعُمْرَى: أَنْ يَجْعَل دَارَهُ لِلْغَيْرِ مُدَّةَ عُمُرِهِ، وَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ، فَيَصِحُّ التَّمْلِيكُ لَهُ، وَلِوَرَثَتِهِ، وَيَبْطُل شَرْطُ الْعُمُرِ الَّذِي يُفِيدُ التَّأْقِيتَ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، أَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ: فَالْعُمْرَى تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، لاَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، وَيَكُونُ لِلْمُعْمَرِ لَهُ السُّكْنَى، فَإِذَا مَاتَ عَادَتِ الدَّارُ إِلَى الْمُعْمِرِ، فَالْعُمْرَى مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ عِنْدَهُمْ. اهــ.

وإن كنت تعني إلى ممات الواهب: فإن الشافعية القائلين بجواز العمرى الآنفة الذكر، لا يرون صحة تأقيتها بحياة الواهب، في الأصح عندهم، قال النووي في المجموع: قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ لَكَ عُمْرِي، أَوْ حَيَاتِي، فَوَجْهَان:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَقَوْلِهِ: جَعَلْتُهَا لَكَ عُمْرَكَ، أَوْ حَيَاتَكَ، لِشُمُولِ اسْمِ الْعُمْرَى.

وَأَصَحُّهُمَا: الْبُطْلَانُ. اهــ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني