السؤال
أنا شاب متزوج عن طريق صديق لي، وهو عم زوجتي. وبعد فترة من اختلاطي بعائلة زوجتي، اكتشفت بأن عمها -الذي هو صديقي- يسرق الناس في رواتبهم. وبعد فترة أخرى حدثت مشكلة بيني وبينه، ومنها اكتشفت أنه اختلس مني مبلغ 53 ألف دينار.
وعندما حاولت كشفه لأهله وعائلته، وبما أني كنت أسكن بالقرب منهم، حاول تشويه سمعتي بأني أنظر لنسائهم، وطعن في شرفي -والعياذ بالله- والله يعلم بأني لست كذلك.
فوعدني أبوه -جد زوجتي- بأن يأخذ حقي من ولده. ولكن بعد أن أخفى ابنه جريمة السرقة، طردني أبوه من المنزل الذي كنت أستأجره منه، ولم يقف بصفي إلا والد زوجتي. ونصحني بالسكوت، ودعاء الله بأن يأخذ حقي من أخيه.
وقال لي إنه لا يستطيع شيئا مع أبيه. فخرجت وأنا أقول: حسبي الله فيهم. فمنعت زوجتي من زيارة عمها وجدها نهائيا؛ لما تسببا لي فيه من ضرر.
فهل يجوز ذلك؟
وبارك الله فيكم، وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك منع زوجتك من زيارة جدها وعمها لمجرد ما حصل بينك وبينهما، فمنعك إياها -والحالة هذه- يؤدي إلى وقوعها في الحرام.
فعمها وجدها من الأرحام الذين تجب عليها صلتهم، وتحرم قطيعتهم، وقد قال الله سبحانه: وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ {النساء:1}، أي فلا تقطعوها.
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى، يا رب، قال: فذلك لك. ثم قال أبو هريرة: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {محمد:22}.
وإن وقع ما ذكرت من سرقة عمها بعض المال منك، فهذا منكر، فيجب نصحه، وتذكيره بالله -سبحانه- وأنه يجب عليه أن يرد الحق إليك، وأنه إن لم يفعل فربما كانت العاقبة وخيمة، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من كانت عنده مظلمة لأخيه، فليتحلله منها، فإنه ليس ثَمَّ دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.
وكذلك الحال فيما نسبت إليه من اتهامه لك بالباطل -إن صح- يجب نصحه في ذلك، وتذكيره بقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}.
ثبت في سنن الترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر، فنادى بصوت رفيع فقال: يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحلة.
قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت، أو إلى الكعبة فقال: ما أعظمك، وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
والله أعلم.