السؤال
ما حكم تمريض الرجل للمرأة، إذا كان مضطرا لذلك؟
وهل الخلوة بالأجنبية، واختلاط الممرضين بالممرضات من تحريم الوسائل، وهل يباح إذا أمنت الفتنة؟
وما هي الفتنة بالتفصيل؟
ما حكم تمريض الرجل للمرأة، إذا كان مضطرا لذلك؟
وهل الخلوة بالأجنبية، واختلاط الممرضين بالممرضات من تحريم الوسائل، وهل يباح إذا أمنت الفتنة؟
وما هي الفتنة بالتفصيل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل هو تحريم تمريض الرجل للمرأة الأجنبية؛ لما يتضمنه من النظر، وما هو أبلغ منه كالمس، وقد قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}.
لكن إن كانت هناك حاجة داعية لتمريض الرجل للمرأة الأجنبية، ولم يتيسَّر من النساء من يقوم بذلك، فيرخص فيه، مراعاة للحاجة، مع وجوب الاقتصار على قدر الحاجة، وألا تكون هناك خلوة.
وقد أخرج البخاري في صحيحه عن ربيع بنت معوذ بن عفراء، قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: نسقي القوم ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة.
قال العز بن عبد السلام -رحمه الله- في قواعد الأحكام: ستر العورات واجب، وهو من أفضل المروءات، وأجمل العادات، ولا سيما في النساء الأجنبيات، لكنه يجوز للضرورات والحاجات.
أما الحاجات: ... فكنظر الأطباء لحاجة الدواء... ولو وقف الطبيب على الداء فلا يحل له النظر بعد ذلك. لأنه لا حاجة إليه لذلك. لأن ما أحل إلا لضرورة، أو حاجة يقدر بقدرها، ويزال بزوالها.
وأما الضرورات فكمداواة الجراحات المتلفات.
ويشترط في النظر إلى السوءات؛ لقبحها من شدة الحاجة، ما لا يشترط في النظر إلى سائر العورات، وكذلك يشترط في النظر إلى سوأة النساء من الضرورة والحاجة، ما لا يشترط في النظر إلى سوأة الرجال؛ لما في النظر إلى سوءاتهن من خوف الافتتان. وكذلك ليس النظر إلى ما قارب الركبتين من الفخذين، كالنظر إلى الأليتين. اهـ.
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: فإن مرضت امرأة ولم يوجد من يطبها غير رجل، جاز له منها نظر ما تدعو الحاجة إلى نظره منه حتى الفرجين، وكذا الرجل مع الرجل ...
وكذلك تجوز خدمة المرأة الأجنبية، ويشاهد منها عورة في حال المرض، إذا لم يوجد محرم. نص عليه في رواية المروذي...
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله -الإمام أحمد ابن حنبل- المرأة يكون بها الكسر فيضع المجبر يده عليها؟ قال: هذه ضرورة، ولم ير به بأسا.
قلت لأبي عبد الله: مجبر يعمل بخشبة، فقال: لا بد لي من أن أكشف صدر المرأة، وأضع يدي عليها، قال: هذه ضرورة، ولم ير به بأسا.
قلت لأبي عبد الله: والكحال يخلو بالمرأة وقد انصرف من عنده من النساء. هل هذه الخلوة منهي عنها؟ قال: أليس هو على ظهر الطريق؟ قيل: نعم، قال: إنما الخلوة تكون في البيوت. اهـ.
وأما عمل الرجل في تمريض النساء في حال عدم احتياجهن إلى ذلك، وتيسُّر تمريض النساء لهن، فلا يجوز، إلا إن كان الرجل لا يجد مصدرا لنفقاته الأساسية إلا من هذا العمل، فيجوز له العمل دفعا لضرورته، حتى يجد عملا سالما من المحاذير الشرعية.
وأما ما يتعلق بتحريم الوسائل: فإن ما حرمه الشرع تحريم وسائل سدا للذريعة، كالنظر إلى الأجنبية والخلوة بها، فإنه يباح للمصلحة الراجحة.
قال ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: ما نهي عنه لسد الذريعة، يباح للمصلحة الراجحة، كما يباح النظر إلى المخطوبة والسفر بها إذا خيف ضياعها كسفرها من دار الحرب، مثل سفر أم كلثوم، وكسفر عائشة لما تخلفت مع صفوان بن المعطل، فإنه لم ينه عنه، إلا لأنه يفضي إلى المفسدة، فإذا كان مقتضيا للمصلحة الراجحة، لم يكن مفضيا إلى المفسدة. اهـ.
وقال ابن القيم في روضة المحبين: لما كان النظر من أقرب الوسائل إلى المحرم، اقتضت الشريعة تحريمه، وأباحته في موضع الحاجة. وهذا شأن كل ما حرم تحريم الوسائل، فإنه يباح للمصلحة الراجحة. اهـ.
فليس صحيحا ما ذكرته من أن النظر والخلوة بالأجنبية تباح عند أمن الفتنة، بل إنما تباح للحاجة والمصلحة الراجحة -كما تقدم-.
وأما "أمن الفتنة" فيذكره العلماء قيدا للنظر الجائز -كنظر الطبيب ونحوه-.
قال الماوردي في الحاوي: أن يكون لضرورة كالطبيب يعالج موضعا من جسد المرأة، فيجوز أن ينظر إلى ما دعت الحاجة إلى علاجه من عورة وغيرها، إذا أمن الافتتان بها، ولا يتعدى بنظره إلى ما لا يحتاج إلى علاجه. اهـ.
وكذلك من أجاز النظر إلى وجه المرأة وكفيها بإطلاق -وهو قول مرجوح عندنا-، قيد ذلك بأمن الفتنة.
جاء في المغني لابن قدامة: فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب، فإنه محرم إلى جميعها، في ظاهر كلام أحمد.
قال أحمد: لا يأكل مع مطلقته، هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها، كيف يأكل معها ينظر إلى كفها؟ لا يحل له ذلك.
وقال القاضي: يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين؛ لأنه عورة، ويباح له النظر إليها مع الكراهة إذا أمن الفتنة، ونظر لغير شهوة. وهذا مذهب الشافعي. اهـ.
وأيضا: تقبيل المحارم جائز بقيد أمن الفتنة.
جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني: (ولا بأس بتقبيل ذوات محارمه مع أمن فتنة، لقادم من سفر) نص عليه في رواية ابن منصور، وذكر حديث خالد بن الوليد أنه -صلى الله عليه وسلم- «قدم من غزو فقبل فاطمة». اهـ.
وكذلك النظر للأمرد مباح بشرط أمن الفتنة.
جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: قالَ ابْنُ القَطّانِ: وأجْمَعُوا عَلى أنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ لِغَيْرِ المُلْتَحِي بِقَصْدِ اللَّذَّةِ، ويَجُوزُ لِغَيْرِها إنْ أمِنَ الفِتْنَة. اهـ.
فتبين من هذا أن أمن الفتنة هو قيد للنظر الجائز، لا أن النظر المحرم يباح بدعوى أمن الفتنة!
والمقصود بالفتنة: ميل النفس ودعاؤها إلى الوقوع في الجماع ومقدماته.
جاء في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للشربيني: (نظره) أي الرجل (إلى) بدن امرأة (أجنبية) غير الوجه والكفين ولو غير مشتهاة قصدا (لغير حاجة فغير جائز) قطعا وإن أمن الفتنة. اهـ.
جاء في حاشية البجيرمي: قوله: (وإن أمن الفتنة) هي ميل النفس ودعاؤها إلى الجماع أو مقدماته. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني