الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بيع العملات بعضها ببعض هو ما يسمى عند الفقهاء بالصرف.
والصرف لا يصح إلا إذا كان يداً بيد، وذلك بأن يعطي أحد المتعاقدين عملة، ويأخذ المتعاقد الآخر مقابلها من العملة الأخرى مباشرة في نفس مجلس العقد، من غير تأخير؛ لما ثبت في الصحيحين: أن البراء بن عازب: وزيد بن أرقم سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن الصرف: فقال: إن كان يداً بيد فلا بأس، وإن كان بنساء: فلا يصح. والنساء هو التأخير.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: الصَّرْفُ: بَيْعُ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا، أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ. وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا، وَنَهَى أَنْ يُبَاعَ غَائِبٌ مِنْهَا بِنَاجِزٍ، كُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ...
وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ الصَّرْفُ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِه. اهـ.
وعليه، فما كنت تفعله من تأخير التقابض في صرف العملات، باطل، ومعنى بطلانه أن يعود لكل منكما ماله كما كان قبل العقد، فتأخذ ما أعطيت من الجنيه، وتعطي ما أخذته من الدولار، فإن فات الصرف صار ديناً على من قبضه يرد مثله.
جاء في التاج والإكليل للمواق: وكل ما كان من حرام بيِّن ففسخ، فعلى المبتاع رد السلعة بعينها.
فإن فاتت بيده رد القيمة فيما له قيمة، والمثل فيما له مثل. اهـ.
وقال مُلا خسرو في درر الحكام: هلاك البدلين في الصرف غير مانع من الإقالة؛ لعدم لزوم رد عين المقبوض بعد الإقالة، بل يرده، أو مثله، فلا تتعلق الإقالة بعينها، بخلاف غيره من البياعات، فإنه يتعلق بعين المبيع. اهـ.
وقد بيّنا في الفتوى: 294661أن الأوراق النقدية لا تُراد عادة لذاتها، فهي متساوية القيمة، ولا تختلف إلا في التسلسل الرقمي، ولا تتعين بالتعيين؛ وبالتالي يجزئ رد مثلها.
وأما الأرباح التي سألت عنها: فإن كانت تلك التي نتجت عن المصارفات الباطلة، فيجب ردها لأصحابها.
وأما إن كنت تقصد أنك استعملت أموال تلك المصارفات في معاملات تجارية مباحة، ونتج عنها أرباح، فتلك الأرباح جائزة؛ وذلك لما ذكرناه سابقا من أن الأوراق النقدية لا تُراد لذاتها، فلا تتعين بالتعيين، فلا يلزمك إلا رد ما في ذمتك مما أخذته من تلك المصارفات الباطلة.
والله أعلم.