الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواز طلب الطلاق أو الخلع بسبب الضرر

السؤال

هل يجوز لي أن أطلب الطلاق، أو الخلع قبل الدخول، بسبب أن الزوج يماطل في موعد الزفاف، ففي أول يوم جاءوا لخطبتي قالوا إن العرس سيكون بعد ثلاثة أشهر، وعلى هذا الأساس قبلت أن أعقد العقد المدني، ثم العقد الشرعي، ثم أجل هو الزفاف إلى ثلاثة أشهر أخرى، وكنت قد جهزت نفسي، واشتريت كل ما يلزمني، ثم زاد الأجل إلى ما بعد أربعة أشهر، متعذرا بأن عليه بعض الديون، ولم أكن أرى هذا سببا مقنعا، ثم عند قرب الموعد أجل شهرين آخرين، دون تقديم عذر، ثم عند اقتراب الموعد توفيت جدته، وأراد أن يؤجل، لكن والدته رفضت، فعلى هذا الأساس جهزت نفسي للزفاف، وكان هو قد أجل الزفاف شهرين ونصف، دون أن يعلمني، أو يعلم أهلي، وقد عرفنا بالصدفة من أمه، وعند اقتراب الموعد في هذه المرة اتصل به أهلي، ليحددوا موعدا للزفاف، فصار يتهرب من الكلام معهم وكأنه يريد التأجيل، وخلال هذه الفترة من العقد، وإلى اليوم لا يتصل بي، ولا يسأل عن حالي أبدا، ولم أعد أحتمل عدم مبالاته، وأشعر أنه يحتقرني وأهلي، فكرهته، ولا أرغب فيه، وأخشى إن تزوجته أن يعاملني باحتقار وذل، وأنا لا أستطيع تحمل هذا، وقد يقع مني ما لا يرضي ربي، وكنت أقبل بالفقير، أو المريض الذي يصدقني الكلام، لكنني لا أستطيع أن أقبل بمن يحتقرني وأهلي، فهل يلحقني إثم، وأكون من المنافقات، أو ممن لا يجدن رائحة الجنة إن أنا طلبت الطلاق، أو الخلع؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء، وبارك فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس من حقّ الزوج أن يماطل في الدخول بالزوجة إذا أرادت الدخول، ولم يكن للزوج عذر معتبر، ويجب عليه في هذه الحال أن ينفق عليها بالمعروف.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: إذا تزوج امرأة، مثلها يوطأ، فطلب تسليمها، إليه وجب ذلك، وإن عرضت نفسها عليه، لزمه تسلمها، ووجبت نفقتها. انتهى.

فإذا امتنع الزوج من تسلم الزوجة دون عذر، وتأذت بذلك؛ فلها حينئذ طلب الطلاق، أو الخلع، فالمرأة إذا كان عليها ضرر، أو أذى في البقاء في العصمة؛ فلا حرج عليها في سؤال الطلاق، أو الخلع، ولا يلحقها الوعيد المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: أَيّمَا امْرَأَة سَأَلت زَوجهَا الطَّلَاق من غير مَا بَأْس، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ.

قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: وفيه أن الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن بسبب يقتضي ذلك. انتهى.

وقال المناوي -رحمه الله- في شرح الجامع الصغير: أَي: فِي غير حَال شدَّة تدعوها لذَلِك. انتهى.

وقال السندي -رحمه الله- في حاشيته على سنن ابن ماجه: أَيْ: فِي غَيْرِ أَنْ تَبْلُغَ مِنَ الْأَذَى مَا تُعْذَرُ فِي سُؤَالِ الطَّلَاقِ مَعَهَا. انتهى.

وكذا حديث: المختلعات هن المنافقات ـ على فرض صحته؛ محمول على طلب الخلع لغير مسوّغ.

قال ابن الأثير -رحمه الله- في النهاية في غريب الحديث والأثر: يَعْنِي اللَّاتِي يَطْلُبْن الخُلْعَ، وَالطَّلَاقَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ بِغَيْرِ عُذر. انتهى.

ونصيحتنا لك؛ أن لا تتعجلي في طلب الطلاق، أو الخلع، وأن تتفاهمي مع زوجك، وتتعرفي على أسباب تأخيره الدخول، وأسباب عدم سؤاله عنك؛ فإن كان له عذر فاصبري حتى يزول العذر، وإذا لم يكن له عذر، أو كنت متضررة من الانتظار طويلا؛ فلا حرج عليك في طلب الطلاق، حتى لا تظلي معلقة لا ذات زوج، ولا أيما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني